خطبة الجمعة 5 جمادى الأولى 1440: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: عناصر التفاوض بين علي وفيشر


- ذكرت في الخطبة الأولى أن الدكتور (روجر فيشر) وضع سبعة عناصر وأسس رئيسة للتفاوض، وقد نحتاجها جميعاً في حياتنا، فعندما يحدث خلاف زوجي وأكون أحد طرفيه، أو للإصلاح بينهما، فأنا بحاجة إلى هذه العناصر ضمن عملية التفاوض للإصلاح.
- وهكذا أحتاج إلى أسس التفاوض عندما أدخل في صفقة تجارية مع بعض الأطراف، وعندما تُعرض عليّ وظيفة في شركة خاصة، أو لرفع الراتب، أو لتحسين بيئة العمل، وغير ذلك.. فالأمر حيوي لكثير من الناس، ولا يخص كبار السياسيين مثلاً.
- العناصر والأسس السبعة للتفاوض وفق نظرية الدكتور (روجر فيشر) هي:
1. المصالح: هل فَهِمت الأطراف مصالحها وأولويات وقيود كل طرف بوضوح؟
2. الخيارات: هل تم إعداد ما يكفي من الخيارات؟ وما علاقة هذه الخيارات بالالتزامات؟
3. الشرعية: ما مدى شرعية الاتفاق وتناغمه مع المباديء والعدالة والقوانين والأنظمة؟
4. العلاقة: ما مدى إمكانية العمل المشترك؟ وهل تهتم لطبيعة العلاقات المستقبلية بينها؟
5. الاتصال: هل طريقة الاتصال القائمة تساعد على تعامل الأطراف بشكل بنّاء مع الصراع؟ وهل الآليات المعمول بها لتحديد ما تمّ الاتفاق عليه تؤدّي الغرض الذي أوجِدت لتحقيقه؟
6. الالتزام: هل تمّ صياغة الالتزامات بدقة؟ هل يعرف كلّ طرف ما يريد الطرف الآخر الموافقة عليه؟ وهل هناك وضوح حول ما يتوجّب القيام به بعد الاتفاق مباشرة؟
7. البدائل: هل يفهم كل طرف أفضل بدائله إن لم يتم التوصّل إلى اتّفاق؟ وهل يمكن توظيف النتائج السلبية لعدم الاتفاق من أجل تقريب الأطراف إلى بعضها البعض؟
- الدكتور (صائب عريقات) كبير المفاوضين الفلسطينيين أصدر كتاباً تحت عنوان (عناصر التفاوض بين عليٍّ وروجر فيشر).
- وبغضّ النظر عن نتائج عملية التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين - فقد يُتقن الفرد الشيء نظرياً ولكنه لا يوفَّق فيه علمياً - قدّم عريقات قراءة مميّزة ومهمّة في بيان أسس وعناصر المفاوضات لدى أمير المؤمنين علي (ع) قبل نظرية فيشر بأكثر من 1300 سنة.
- قال: (الذي يقرأ تاريخ الأمم للطبري و........ يعرف تمام المعرفة أن أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب......... حدّد ركائز وأسس العلوم المختلفة، منها: النفس والاقتصاد والسياسة، واتخاذ القرار، وإدارة الأزمات والمفاوضات، وأرسى أسس ومباديء السيادة قبل أن يُحددها [جان بودان] في كتبه الجمهورية الستة بألف عام.... لقد أسس أمير المؤمنين سيدنا علي (رض) نظرية الحق والدولة قبل [توماس هوبز] وكتاب [ليفيثان] بمئات السنين).
- ثم يتحدّث عن تجربته الشخصية ومعاناته في المفاوضات الصعبة والتي قادته إلى أن يطالع تجربة أمير المؤمنين (ع) وأن يراجع كلماتِه في هذا الإطار، قال عن الظروف والمفاوضات: (كانت ليلة بعد ليلة ويوماً بعد يوم تقودني إلى التعرّف على ما قدّمه إنسان عربي واحد لعِلم المفاوضات بشتى أنواعه... إنه أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب (رض). لقد لجأتُ إليه وإلى أقواله وخطاباته ورسائله في كل يوم من أيام المفاوضات).
- وبعد أن استعرض العناصر التفاوضية السبعة التي أرساها روجر فيشر، بدأ الحديث حول عناصر التفاوض الاثني عشر التي استخلصها هو من الإمام علي (ع).
- ذكر المؤلف العديد من الشواهد الخاصة بالعناصر السبعة المشتركة بينهما، وتحدّث عمّا امتاز به الإمام علَى فيشر ضمن هذه العناصر، ثم ذكر العناصر الخمسة الإضافية وهي:
1. العلم والمعرفة: بعد الاستشهاد بمجموعة من النصوص، ومن بينها قوله (ع) (لا ترى الجاهلَ إلا مُفرِطاً أو مُفرِّطاً)، ذكر المؤلف أن الإمام (ع) عَرِف: (أن التداخل والتواصل بين البشر وبما في ذلك المفاوضات، لا يمكن أن تقتصر على تحضير ذاتِك ووفدِك وفريقِك، بل
عليك أن تعرف أدقّ التفاصيل عن الطرف الآخر).
2. القيادة والمسئولية: المستندة على العمل التنظيمي: (فلا يمكن أن تكون هناك قيادة أو قائد يمثّل قمّة هرم دون أن يكون هناك تنظيم دقيق لهذا الأمر، فتنظيم الأمور يُعتبر مفتاح القيادة السليمة، ومن خلالها تقليل العفوية واللامبالاة والفهلوة والتخبط في اتخاذ القرار).
3. المتغيرات: لابد لكل من يفاوض أن يمتلك القدرة الفائقة على استقراء المستقبل والماضي وتأثير المتغيرات على المجتمع، ومن ذلك قوله (ع): (ينام الرجل على الثُّكْل، ولا ينام على الحَرَب).. قد يتحمّل الإنسان مصاب فقد الحبيب، ولكن لسلب المال وقعاً أقوى عليه بكثير.
4. الصبر والثبات: الصبر هو طريق النصر. قال (ع): (آلة الرئاسة سعة الصدر)، وبتكريس عنصر الصبر والثبات في المفاوضات يمكن الوصول إلى مستويات دقيقة للغاية: (من طلب شيئاً ناله أو بعضَه)..
5. العدل: فهو أساس التوازن في العلاقات، ولن يصمد أي اتفاق لا يقوم على العدل، مهما كان اختلال موازين القوة بين الأطراف المتداخلة في الصراع.
- ما زال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) يُبهر العالَم كلما بحث المحقَّقون في تراثه الفكري والعملي، ليستخرجوا منه كنوز المعرفة والعلم والحكمة والإدارة والسياسة والأخلاق.. وما زال القصورُ - في المقابل – يحكُمُ الدائرةَ الخاصة التي يُفتَرَضُ بها أنْ تَتلقّفَ هذا الإرثَ الحضاري بصورةٍ مغايرةٍ لما دأبَت على الخوضِ فيه، والذي بات أشبه شيءٍ بكُرةِ الحريرِ حين تلتفّ حول الشرنقة.. وكأنَّ إرثَ عليٍّ (ع) لا يتجاوزُ مسألةَ الإمامةِ والصراعاتِ التاريخية والخلافاتِ البينيّة. اللهم بصرنا بأمور ديننا ودنيانا..