خطبة الجمعة 14 ربيع الثاني 1440: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: بوار المكر البشري

ــــ في القرآن الكريم حديث متكرر عن المَكر البشري والمكر الإلهي، وهذا مفهوم بلحاظ جو الصراع والمؤامرات التي كانت تُحاك ضد النبي (ص). والمكر هو التدبير الخفيّ ضد الآخر.
ـــــ في سورة يوسف مثلاً، بعد سرد القصة بشكل تفصيلي، يقول تعالى في الآية 102: (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ).
ــــ لاحظ يا رسول الله كيف أن المؤامرة السرية التي حاكها إخوة يوسف وأرادوا إحكامَها للتخلّص منه، انتهت على غير ما أرادوا، بل على خلاف التوقّعات: (قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ) [يوسف:10].
ــــ أرادوا أن يقضوا عليه بقتله، ثم تغيّر رأيهم واستقرّ على أن يحوّلوه إلى عبدٍ يُباع ويُشتَرى، فإذا به يغدو مسؤولاً كبيراً في دولة عظمى وبالوصف التالي: (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف:56].
ــــــ لماذا؟ (كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ) [يوسف:76].. هناك تدبير خفي وكيد إلهي لصالح يوسف (ع).
ــــ كذلك في قصة النبي عيسى (ع)، نجد أنه ووُجِه بشتّى أنواع الاتهامات والضغوطات، ولذا ما آمن به إلا عدد قليل من الناس: (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 52].
ــــ ثم حيكت المؤامرات السرية ضده وضدّ دعوته من قِبَل اليهود والرومان الوثنيين وتمّ الاتفاق على قتله، ولكن النتائج جاءت على خلاف ما أرادوا.. وإذا به ينجو منهم، وإذا بدعوته تمتد، لتشمل نفس الرومان: (إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) [آل عمران:55].
ـــــ لماذا؟ تجيب الآيات لتقول: (وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [آل عمران: 54]. هناك تدبير خفي وكيد إلهي لصالح عيسى (ع) ورسالته.
ـــ كانت هذه رسائل للنبي (ص) من أجل طمأنته بأن المؤامرات التي يحيكها المجرمون قد تنجح جزئياً وفي مقطعٍ زمنيٍّ محدود، ولكنّ الله لن يمكّنهم من بلوغ غاياتهم النهائية ما دام الطرف المظلوم الذي تُحاك ضدّه المؤامرات قد ارتبط بالله، وتحمّل مسئولياته، وتوكل عليه (سبحانه).. وحينها ستأتي النتائج على عكس المؤامرات تماماً، ولو بعد حين.
ــــ (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ) [فاطر:10].
ـــــ ومن هنا نجد في سورة الأنفال - التي نزلت في أجواء غزوة بدر - تَذكيراً للمسلمين المهاجرين بما كانت عليه أوضاعهم في مكة قبل الهجرة: (وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) [الأنفال:26].
ـــــ وكيف حيكت ضدّهم المؤامرات، ومن بينها التخلّص من النبي تماماً كما أرادوا التخلص من
عيسى (ع) من قبل: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ) [الأنفال:30].
ـــــ ولكن العناية الإلهية كانت حاضرة: (فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الأنفال:26].
ـــــ لماذا؟ (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال:30]. من جديد، جاءت النتائج تماماً على عكس ما تم التخطيط لأجله في أجواء المؤامرات الخفية التي يحيكها المجرمون.
ـــــ ويخبرنا القرآن الكريم بالسنّة الإلهية والقاعدة التالية: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) [الأنعام:123].
ــــ لقد كَثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن المؤامرات التي تُحاك ضد المنطقة، وكنّا موعودين بأوضاعٍ صعبةٍ جداً في شهر نوفمبر الماضي، وبتبعاتٍ حادّة لحزمةِ قراراتٍ ترتبط بالعقوبات المتعلِّقة بإلغاء الاتفاق النووي، وبنتائجَ سلبية حول تصريحاتٍ مُدانةٍ متعلّقة بسيادة الكويت تضمّنت تهديداتٍ مبطّنةً أحياناً وصريحةً أحياناً أخرى، وما كان ذلك منهم إلا (اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ)، فإذا بالأمور - وبشكل مفاجيء - تأخذ مساراً مختلفاً تماماً ومعاكِساً لكلِّ ذلك (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا). فلنتطلّع دائماً أن نكون مع الله، وأن نطلب العزّة من الله وهو القائل (سبحانه): (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ).