خطبة الجمعة 7 ربيع الثاني 1440: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: القضاء في الإسلام


ــــ عندما بعث أمير المؤمنين (ع) مالكاً الأشتر لولاية مصر، زوّده بكتاب يشتمل على تعليمات حول فنون الإدارة وأخلاقياتها وآدابِها، ومن ضمن العناوين التي عالجها الإمام مسألة القضاء.
ـــ قال في بدء هذه المعالجة: (ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ). ثم بدأ (ع) يقدِّم قائمة من الصفات التي ينبغي أن تتوفّر في القاضي على مستوى التقوى، والورع، والعِلم، والحِكمة، والصفات النفسية.
ـــــ ولكن عند الحديث عن القضاء الإسلامي يتذكّر الناس السيف والجلّاد والتعسّف وما إلى ذلك من صُور لا تُمثّل حقيقة نظرة الإسلام إلى القضاء ودوره الحيوي.
ـــــ فنحن عندما نعود إلى النصوص الإسلامية، نجد أنها تقدِّم لنا منظومة شرعية أخلاقية أدبية ترتبط بنظام القضاء، تكشف عن دقّة العناية بهذه الوظيفة، والسعي لتحقيق دورها بالصورة المُثلى.
ــــــ أول ما يطالعنا بهذا الخصوص حقيقة أن تحقيق العدالة وإقامة القسط واحدة من أهم الغايات التي من أجلها بعث الله الرسل إلى الناس حيث قال (سبحانه): (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) [الحديد:25].
ــــ ولا يكتفي القرآن ببيان العنوان العام، بل وينبّه إلى تطبيقاته في الموارد المختلفة، ومن ذلك:
1. عند الخلاف على الأمانات ونزاع الملكية: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ) [النساء:58].
2. عند اختلاف القاضي مع طرف في القضية على المستوى الشخصي أو الديني أو غير ذلك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المائدة:8].
3. عند وقوع النزاعات العنيفة بين المجاميع: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الحجرات:9].
ـــــ ثم تتدخل النصوص الإسلامية في بيان أدقّ التفاصيل التي من شأنها أن تُعين على تحقيق العدالة ما أمكن، على المستوى النفسي، وعلى مستوى سلوك القاضي في مجلس القضاء وخارجه، وفي علاقاته بالناس، وتعاملاته التجارية، وغير ذلك.
ــــ وقد استفاد الفقهاء مِن هذه النصوص، فتوسّعوا في تقديم الأمثلة والتفاصيل التي تُحكِم أمر القضاء لتحقيق الغاية المتمثّلة في إقامة القِسط والعَدل. وسأتحدث في الخطبة الثانية بإذن الله عن بعض الجوانب المتعلقة بذلك.