خطبة الجمعة 29 ربيع الأول 1440: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: وصف نعيم الجنة


ــــ لدينا في القرآن الكريم آيات عديدة حول نعيم الجنة، تتحدّث عن نوعية طعام أهلها وشرابهم، عن مساكنهم ما فيها من أثاث ووسائل راحة، وعن طبيعة بيئة الجنة، وما فيها من أنهار وبساتين، وعن الأزواج وحور العِين، وما إلى ذلك من ملذّات وطيّبات يُشبِه بعضُها ما في الدنيا، ويختلف بعضها عنها، ومن بين تلك الآيات:
ـــــ قوله تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ. فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ. كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ. مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ) [الطور:17-20]. (وَحُورٌ عِينٌ. كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) [الْوَاقِعَة:22-24].
ـــــ وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا) [النساء:57].
ــــ(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَة. لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ. فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ. لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً. فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ. فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ. وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ. وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ. وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) [الغاشية:8-16].
ـــ (مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ) أغطية خُضر وفُرش متقنة الصنع حسنة [الرحمن:76].
ـــ (يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ)[الزخرف:71].
ـــ (وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ. يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لّا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ. وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ) [الطور:21-24].
ــــ أشكل البعض بأنّ السجّاد والكراسي المريحة والوسائد والفواكه والشجار والأنهار والخدم وغير ذلك مما جاء في الآيات من وصف نعيم الجنة يتمتّع به المنعّمون في هذه الحياة، وبأرقى الأنواع وأجملها، وبما يفوق ما جاء في الآيات عن وصف نعيم الجنة.. ولكن غاب عن هؤلاء:
ــــ أولاً، هناك منغّصات كثيرة في الحياة الدنيا، كالأمراض والمشاكل التي تواجه الإنسان والمكائد وسوء الاستغلال والحروب والشيخوخة وغير ذلك، فتجعل كل تلك النعم المادية أحياناً بلا قيمة، بل ولربما وبالاً عليه.
ــــ ثانياً، أن نعيم الدنيا يتأثّر بالزمن والاستعمال والعوامل الجوية، وغير ذلك من المؤثّرات السلبية، على خلاف نعيم الآخرة.
ــــ ثالثاً، قد يفقد الإنسان كل هذا أو بعضه في الدنيا، على خلاف الآخرة.
ـــ رابعاً، كم يعيش الإنسان في هذه الحياة؟ وكم يستطيع أن يتلذذ بنعمها؟
ــــ ومن هنا نجد أن القرآن الكريم يركّز على نوعية الحياة في الجنة.. وهذا هو الأهم في نعيمها:
(وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) [الزمر:73-75].
ــــ لاحظ ضمان السِّلم، والأمن، والحياة الطيبة، والخلود.. يعني لا خوف، ولا قلق من أي شيء يتعارض مع حالة السلم والأمن والحياة الطيبة الممتدة عبر الزمن.
ــــ وعلى سبيل المثال، فإن واحدة من الإجراءات لكي يتحقق ذلك ما جاء في قوله تعالى: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ) [الأعراف:43].. فهل في هذه الحياة الدنيا شيء من ذلك؟
ـــ إن الإنسان يُدرك أنّ كلَّ نعيمِ الدنيا لن تكون له قيمة لو فُقِدت نعمة الأمن والصحة والراحة النفسية والطمأنينة، أيْ سلامَ الروح والبدن والحياة مِن حوله، ولذا فإنّ المؤمن حين يتطلّع إلى الجنة لا يتطلّع إلى ملذّاتها المادية فحسب، بل وإلى الحياة الطيّبة فيها، بكل ما تحمله هذه العبارة من معنىً عميق على المستوى المادي والمعنوي: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).