خطبة الجمعة 22 ربيع الأول 1440: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: فتن اليهود في المدينة

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ) [المائدة:51-52].
ـــــ كان لليهود قبل هجرة النبي (ص) نوع من السيطرة على المشهد في يثرب من خلال الدسائس التي كانوا يحيكونها أحياناً بين الطرفين الرئيسين المتنازعَين فيها، ومن ثَمّ عن طريق تقديم الولاءات للأفراد والمجاميع التي يتألّف منها كلٌّ من الأوس والخزرج.
ــــ فهذه القبيلة اليهودية تدعم فلاناً من الأوس، أو فرعاً من فروعهم، وتشكّل نوعاً من التحالف.. وتلك الشخصية اليهودية تدعم علاناً، أو فرعاً من فروع الخزرج.. وهكذا.
ــــ هذا الدعم (الولاء) كان يأخذ صوراً متنوّعة، من قبيل الإقراض الربوي، التزويد بالسلاح، وغير ذلك.. إلا أنه عندما هاجر النبي (ص) إلى يثرب، تغيّر المشهد بصورة كبيرة.
ـــــ حتى أنه روي أن عبادة بن الصامت جاء إلى النبي (ص) فقال: (يا رسول الله، إنّ لي أولياء مِن اليهود كثيرٌ عددُهم، قويةٌ أنفسُهم، شديدةٌ شوكتُهم، كثيرٌ سلاحُهم، وإني أبرأ إلى الله وإلى رسولِه مِن ولايتهم، وولاية اليهود، ولا مولى لي إلا الله ورسوله).. وفي المقابل قال عبد الله بن أبيّ بن سلول أو أبي سلول: (لكني لا أبرأ من ولاية اليهود، لأني أخاف الدوائر، ولا بدّ لي منهم).
ـــــ كلام (ابن سلول) تعبير عن موقف البعض من أهل المدينة.. من المنافقين، ومن الذين في قلوبهم مرض.. أي مِن الذين لم يستحكم الإيمان في قلوبهم، ولم تكن لديهم ثقة حقيقية بالله، وإن كانوا في صورتهم الخارجية مع الجماعة المؤمنة آنذاك.
ـــــ هذه الفئة كانت تعيش القلق الكبير من قوة اليهود.. على مستوى قوتهم المالية، وما لديهم من سلاح ومقاتلين وتحالفات خارجية، بالإضافة إلى ما عُرِف عنهم مِن مكرٍ وقدرة على إدارة الملفّات بالدسائس والفِتن، وهو ما جعل يثرب ـــ قبل الهجرة ـــ تعيش (المرحلة الإسرائيلية).
ـــــ من هنا، صوّرت الآية الشريفة، وبكل دقة موقف الفئة التي في قلبها مرض وتبريراتها بقوله تعالى: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ) يسارعون لكسب رضاهم بأية صورة، ولو على حساب كرامتهم وعزّتهم واستقلالهم.
ــــ لماذا؟ (يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ) نخشى أن تصبح القوة والغلبة والكلمة العليا والكلمة الأولى والأخيرة لليهود من جديد.. أي أن يُدخِلوا المدينة المنورة في (المرحلة الإسرائيلية) من خلال التحكّم في المشهد القائم.. ليبدؤوا بالانتقام مِن خصومهم.. فماذا عن واقعنا اليوم؟ سيكون حديثنا في الخطبة الثانية بإذن الله تعالى حول دخول الشرق الأوسط (المرحلة الإسرائيلية).