خطبة الجمعة 1 ربيع الأول 1440: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: الرد على المطالبة (بحقوق المثليين)

(وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ) [الأنبياء:74].
ـــــ عادت إلى واجهة وسائل التواصل الاجتماعي في الكويت الدعوة إلى إعطاء (الشواذ) الحرية، وبحسب تعبيرهم (حقوق المثليين).. وقد لاحظت مؤخراً اشتداد الحملة لا على مستوى الكويت فحسب، بل بشكل أوسع، ولربما نحن مُقبلون على فتح هذا الملف بقوة في الأيام القادمة.
ـــ وقبل 3 سنوات، دعت الأمم المتحدة من خلال بيان وقع عليه اثنتا عشرة وكالة من وكالات الأمم المتحدة، الحكومات في جميع دول العالم بتقنين أوضاع الشواذ.
ـــ وقبل سنة ونصف أشاد (أنطونيو غوتيريش) أمين عام الأمم المتحدة بحملة (ثقافة الحب) التي أطلقها مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، في اليوم الدولي لمناهضة كراهية المثلية الجنسية ومغايري الهوية الجنسانية ومزدوجي الميل الجنسي.
ــــ وهذا يستدعي أن تكون لنا وقفة نتبيّن من خلالها عدة أمور ذات أبعاد فكرية وعلمية وسلوكية لها علاقة بالموضوع.
1. للمسألة علاقة مباشرة بمفهوم الحرية، وتحديد المفاهيم ـــ كخطوة أولى ـــ أمر مهم جداً، وإذا لم نستطع حصر المفاهيم وتعريفها بوضوح فإن المجتمع سيعيش حالة من الفوضى.
ــــ وقد أكدت مراراً وتكراراً أن مفهوم الحرية في الإسلام يختلف عن المفهوم الذي يردده كثيرون ويخلق بالتالي حالة من التوهان الفكري في اتخاذ الموقف من هكذا دعوات.
ــــ الذين يدعون لتأمين حرّية الشواذ يقولون يجب أن نعطي هؤلاء حريتهم وحقوقهم ما دام أنهم لم يتعرّضوا لحرية الآخرين.
ـــــ كلامهم هذا مبنيّ على أساس المفهوم الدارج للحرية، وهو أن حرية الفرد تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين، أي أنت حر ما دمت لم تسيء إلى الآخرين.
ــــ أما في الإسلام فهذا جزء من مفهوم الحرية، والجزء الآخر هو أن حريتك مقيدة بالتشريعات الإلهية وبالقوانين المنظِّمة للحياة.
ــــ فالمسلم ليس حرّاً في أن يضرّ نفسه، بأن يقطع يده بلا سبب.. أو أن ينتحر.. لأن الإسلام يعتبر أن الحياة والروح والجسد أمانة الله عندك، ويجب أن تتعامل معها وفق إرادته، لا وفق ذلك المنظور للحرية الذي يعتبر أن من حقك أن تفعل ما تشاء مادمت لم تضر بالآخرين.
ـــ وليس للمسلم أن لا يصلّي.. وأن لا يصوم.. وأن لا يحج.. فهذه أمور لا تصطدم مع حرية الآخرين، ومع هذا فإن المسلم مُلزَم بهذه العبادات، وهو مسئول أمام الله في هذا الإطار.
ــــ ثم هناك تقييد لحرية الإنسان في القوانين التنظيمية أيضاً.. تخيّل أن الإشارة المرورية كانت حمراء، وتأكدت من خلوّ كل الشوارع من السيارات.. هل ستكون لك الحرية في أن تعبر في هذه الحالة مع أنك لن تضرّ أحداً؟ ولو صادف وجود سيارة مرور.. ألن تتم مخالفتك؟
ــــ وأخيراً، فإن لكل مجتمع ثقافته ودينه الرسمي وعاداته وتقاليده.. فلماذا تسعى بعض تلك المنظمات الدولية أن تسلب مجتمعاتنا حرية ما اختارته، وتدفعنا لقبول ما اختارته هي؟
2. يتمسك الداعون إلى حرية ممارسة الشذوذ (إعطاء المثليين حقوقهم) باعتبار أنها من حقوق الإنسان ومن الحقوق المدنية، بادعاء أن العلم يُثبت بأن هذا الشذوذ أمر طبيعي، على اعتبار أن الشاذ يرث جيناً معيناً يجعله يميل إلى مثله، لا أنه متمرّد على فطرته، وشاذ في سلوكه.
ـــ حتى خرج علينا موقع قناة العربية قبل مدة بالعنوان التالي: (دراسة: المثلية الجنسية تخضع للجينات الوراثية... مما يجعل صفة المثلية الجنسية صفة بيولوجية وليست اختيارية). وهذا جزء من الحملة الإعلامية المروّجة لهذا المشروع، مما يؤكد ضرورة مواجهتها.
ــــ لابد من التنبيه بدءً إلى أننا لا نتحدث عن حالات نادرة جداً يولد فيها الطفل وله جهازان تناسليان مختلفان.. فمثل هذه الحالة لها تشريعاتها الخاصة، ويُتعامل معها وفق أسس معينة.
ــــ كلامنا عن الذكر كذكر، والأنثى كأنثى، حين يقيم كل منهما علاقة مع فرد آخر من جنسه، تحت عنوان الزواج أو من دونه.. فهل العلم يدعم القول بأن مثل هذه الحالات طبيعية فطرية؟
أ ـــ الجمعية الأمريكية لعلم النفس (American Psychological Association) APA التي وإن كانت تدافع عن (حقوق الشواذ) إلا أنها تعترف بوضوح أنه: (على الرغم من أن الكثير من الأبحاث قد فحصت التأثيرات الوراثية والهرمونية والتنموية والاجتماعية والثقافية المحتملة على التوجه الجنسي، إلا أنه لم تظهر أية نتائج تسمح للعلماء باستنتاج أن التوجه الجنسي يحدده أي عامل أو عوامل معينة).
ب ــــ وفي كتاب (استكتشاف الأبعاد الجنسية للإنسان) Exploring the Dimensions of Human Sexuality (لجيرولد كَرينبيج: أستاذ الصحة السلوكية والمجتمعية) (كلينت بروس: كان عميداً لإحدى كليات التربية الأمريكية) (وسارة كونكلين: أستاذة علم النفس العصبي)، نجد أن: (البحث في العوامل الوراثية التي تؤثر على الشذوذ الجنسي لم يصل إلى نتائج حاسمة. لم يتم تشخيص جين محدد... وهكذا الأمر بالنسبة إلى تأثير الخلل الهرموني في الإنسان.. لم يتم إثبات أية نظرية علمية حول الأسباب البيولوجية للتوجه الجنسي، ولا أية نظريات نفسية).
ـــ وفي كتاب: (جيناتي جعلتني أفعل ذلك.. الشذوذ الجنسي والدليل العلمي) My Genes Made Me Do It! Homosexuality and the Scientific Evidence للدكتور (نيل وايتهيد) (أخصائي الكيمياء الحيوية والإحصاء، وقد عمل في الحكومة النيوزيلندية كباحث لمدة 24 عاماً، ثم قضى أربع سنوات في العمل لدى الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية، ثم كمستشار للجامعات اليابانية). ينفي المؤلف وجود دليل علمي على أن الجينات هي السبب في وجود الشذوذ، ويقول: (لقد توصَّلَت ثماني دراسات رئيسة لتوأمين متطابقين في أستراليا والولايات المتحدة والدول الاسكندنافية خلال العقدين الماضيين إلى نفس النتيجة: لم يولد المثليون جنسياً بهذه الطريقة).
ـــ كانت بداية هذا الادعاء عندما نشر الدكتور دين هامر دراسة في مجلة Science وهي واحدة من أهم المجلات العلمية العالمية ادّعى فيها عثوره على جين مسئول عن الشذوذ.
ـــ ثم جاءت المجلة في عدد 23 أبريل 1999: (قبل 6 سنوات، أعلن عالم الوراثة الجزيئية الدكتور دين هامر وزملاؤه أنهم عثروا على رابط وراثي لمثلية الذكور. الآن يعلن فريق بحث عن فشله في العثور على صلة بين المثلية الجنسية وذلك الجزء الكروموسومي الذي حدده هامر، وأن النتائج توحي بأنه إذا كان هناك ارتباط، فإنه ضعيف إلى درجة أنه ليس مهماً).
3. أين المطالبون بما يسمّونه (حقوق المثليين) من الإحصائيات والدراسات العلمية الخاصة بالأمراض البشعة والخطيرة الناجمة عن هذه الممارسة الشاذة؟ الإيدز، التهاب الكبد الفيروسي، سرطان الكبد، تشمع الكبد، الزُّهري، السيلان، الكلاميديا، سرطان القولون، سرطان البروستات.
4. هناك علاقة قوية جداً بين الشذوذ وبين تعاطي المخدرات وإدمان الكحوليات.
ــــ المعهد الوطني لتعاطي المخدرات (الولايات المتحدة): (وفقاً لبيانات عام 2015 من المسح الوطني حول استخدام المخدِّرات والصحة، فإن البالغين الذين تم تعريفهم على أنهم من [الشواذ] كانوا أكثر عرضة من [غير الشواذ] لاستخدام المخدرات في العام الماضي (39.1 % مقابل 17.1 %)، وبحسب مسح آخر أجري عام 2013 فإن استهلاك [الشواذ] للكحول في المناسبة الواحدة أكثر من غيرهم، وأنهم بدءوا بتناول الكحول في سنٍّ أقل من غيرهم).
ــــ إن الدعوات المشينة التي انتشرت أخيراً لتطبيع أوضاع الشاذين جنسياً في مجتمعنا، والمطالبة بما أسموه (حقوق المثليين) تحتاج إلى مواجهة فكرية وتوعية مجتمعية تقوم على أسس فكرية علمية ونفسية وتربوية ودينية، وذلك من خلال توضيح مفهوم الحرية وحدودها، بلحاظ أن الفضاء الفضفاض للمفاهيم يسمح لتغلغل الكثير من التصورات والممارسات السلبية في المجتمع. ومن ثم التأكيد بالأدلة البحثية الرصينة على بطلان كل الادعاءات التي يتمسّك بها دعاة (حقوق المثليين) حول وجود دليل علمي يُثبت أن الشواذ يولدون هكذا، وأن المسألة جينية بحتة، وأخيراً الدور التوعوي حول المخاطر الصحية الكبيرة الناجمة عن الممارسات الشاذة، وارتباطها أيضاً بإدمان المخدرات والكحوليات.