خطبة الجمعة 17 صفر 1440: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: خطوات نحو عولمة الثورة الحسينية

ـــ عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (مَن سنّ سُنّة حسنة فله أجرها وأجر مَن عَمِل بها، مِن غير أن يَنقُصَ مِن أجورهم شيء).
ــــ تحدثت في مناسبتين سابقتين عن ضرورة عولمة القضية الحسينية، وسُئلت ـــ لاحقاً ـــ عن الوسائل العملية التي يمكن اعتمادها لتحقيق ولو جزءٍ من هذه الغاية.. ولذا سأسعى في هذه الخطبة أن أُقدِّم مجموعةً من الأفكار العملية التي يُمكن تطبيقها في هذا الاتجاه.
ــــ عولمة القضية الحسينية بحاجة أوّلاً إلى تشكيل لجنة رئيسة ولجان فرعية، وهي بمجموعها تتكوّن من متطوّعين مِن عدّة بلدان حول العالم، ويُراعى في ذلك اختلاف اللغات والثقافات والانتماءات العرقية.. مِن شرق آسيا، وأوروبا، والأمريكتين، وغير ذلك.
ــــ فأنا أدرك كيف أخاطِب بأفضل صورة أبناء بلدي، وبعض المجتمعات العربية القريبة مني، ولكنني لا أعرف الصورة المُثلى والأيسر للوصول إلى عقل وقلب الإنسان الأمريكي أو الصيني
أو الأسترالي أو الأرجنتيني أو الفرنسي أو غيرهم.
ــــ ثانياً، مثل هذا المشروع بحاجة إلى تأسيس صندوق لتمويله، وأن يكون ذلك تحت إشراف أيدٍ أمينة، ومقروناً بحملة إعلامية تُركِّز على المُنطلق في بُعدِه الحسيني، وعلى الأهداف والغايات الإنسانية النبيلة.
ـــ ثالثاً، تأمين غطاء قانوني، بلحاظ القوانين المنظِّمة لعمل الجمعيات الخيرية وجمع الأموال وتحويلها وإنفاقها، والابتعاد عن شبهة تمويل الإرهاب، وغسيل الأموال، وأمثال ذلك.
ـــــ رابعاً، ضمان حيادية المشروع بالابتعاد عن أية تداخلات أو تجاذبات أو عناوين أو مصالح سياسية أو شخصية، وعن أية خصوصيات ترتبط بالتقليد أو الانتماء الحزبي وأمثال ذلك. وهذا يَستدعي بالتبع حُسن اختيار اللجنة العليا القائمة على المشروع بهذه اللحاظات.
ــــ خامساً، تشكيل اللجان الفرعية المتخصِّصة، كالتقنية، والميدانية، والإعلامية، وغيرها، والمشكّلة مِن الجِنسين، ومِن الأعمار المختلفة، مع الاستعانة بالخبراء القانونيين، والمؤسسات الخيرية المنتشرة في العالم، وغيرها من الجهات والأفراد ممن يمكنهم أن يرفدوا هذا المشروع.
ــــ وفي ما يلي مقترحات لمشاريع عملية، يمكن أن تكون النواة لهذا النشاط:
1. تشكيل هيئة إغاثية عالمية باسم الحسين (ع) تابعة لمشروع العولمة، وتُبادر إلى تقديم مساعداتها وإغاثة المنكوبين في العالم، في الحروب والكوارث الطبيعية وأمثال ذلك، تقرّباً إلى الله، وبدافعٍ إنساني، واهتداءً بالقيم الحسينية.
ــــ وما جاء في الخطبة الأولى حول تقديم المساعدات الغذائية للمنكوبين في اليمن يمثّل نموذجاً عملياً.. وما أجمل أن تُقدَّم هذه المساعدات بعنوان (قافلة الإغاثة الحسينية)، أو (هدية زوّار الحسين).. أو ما أشبه.
ــــ ولربما كان في تخصّص هذه الهيئة في مجال توفير المياه الصالحة للشرب لهؤلاء المنكوبين، بما يلبّي حاجتهم الآنية ثم بعيد المدى، تناغماً مع مَلمحٍ من ملامح المأساة في يوم الطف.
2. إعداد حملات إعلامية ميدانية، تُعرِّف الناس بالقضية الحسينية. وقد نشَرَت وسائل التواصل الاجتماعي مقاطعَ فيديو لمشروع (Who is Hussain?) والذي يعمل على التعريف بالإمام الحسين بلغات ومجتمعات وطرق مختلفة ومبتكرة.
ــــ في بعض المجتمعات الأوروبية أيضاً، عمل الشباب على توزيع أكواب القهوة الساخنة أو قناني الماء أو ورود حمراء على المارّة، وصمّموا معها بطاقات تحمل شعارات (الحسين محبة) (الحسين حرية) (الحسين الإنسان) ومقتطفات من كلماته وأمثال ذلك.
ــــ ويمكن أن يُضاف إلى ما سبق حملات إعلانية على اليوتيوب مثلاً والحافلات واللوحات الإعلانية الضخمة الموزَّعة في الشوارع، على أن تكون مدروسة فنياً ومن حيث المضمون.
3. تنظيم ندوات ومحاضرات في الجامعات ومراكز الدراسات العالمية، والمؤسساتِ الدوليةِ المعنيّةِ بالقضايا الإنسانية المعاصرة في عالَمِ الفكرِ والثقافةِ والسياسةِ والقانون، وتتمحور حول القيم والمباديء الإنسانية في القضية الحسينية، فيما له علاقة بحقوقِ الإنسان، ومكافحةِ الفساد، وتحكيمِ الحريات، لاسيما بلحاظ ما تحملُه الثورة الحسينية مِن قِيَم تشترك فيها البشرية.
4. إعداد معارض ومسابقات فنية دولية وعالمية متخصصة في الفن الحسيني، رسماً، وتصويراً، ونحتاً، وفي مجال التصميم الجرافيكي، وتقديم أعمال فنية على المسرح، من قبيل تقديم أوبريت شعري بلغات متعددة وبصبغة قِيَمية إنسانية جذّابة.
ــــ على أن الملحوظ أن مشاريعنا الفنية تُقام عادةً في مجتمعاتنا الخاصة، أو على نطاقات ضيقة، وأما الغاية هنا فتتمثّل في أن نكسر هذا الطوق، ونخرج إلى آفاق أرحب عالمياً، ونخاطب الثقافات المختلفة من خلال لغة الفن المشتركة.
5. التواصل والتعاون مع الهيئات الناشطة في هذا المجال والموزّعة جغرافياً، والاستفادة من تجاربها وخبراتها.
ــــ كانت هذه مجموعة من الأفكار والمقترحات حول عولمة القضية الحسينية لتنطلق في فضاءات أرحب من الفضاءات التي اخترنا أن نحصرها فيها، وآمل أن نجد مَن ينبري قريباً لتحقيق هذا المشروع الحيوي.. في يومٍ ما كنّا نتكلم عن ضرورة أن لا نحصر الحسين (ع) في إطار مذهبي خاص، وأن نجعل إحياءَ موسم عاشوراء إحياءً يشترك فيه كل المسلمين، وأن لا تتحوّل القضية إلى مادة للخصومة والنزاع، بل إلى كلمةٍ سواء نعتصم من خلالها بحبل الله جميعاً.. وأما اليوم فيجب أن يكون طموحُنا أكبر من ذلك.. أن ننطلق بالقضية الحسينية إلى العالم أجمع، إلى الإنسانية بكل امتدادها الجغرافي، لِمَا تختزنه هذه القضية من قِيَمٍ ومفاهيمَ وشعاراتٍ في منطلقاتِها وأحداثِها ومنعطفاتِها تلتقي عليها الإنسانية بفِطرتها السليمة، ولما توفّره وسائل الاتصال والمعلوماتية والسفر من إمكانات كبيرة تيسِّر تحقيق هذا الطموح، وتحمّلنا المسئوليةَ أكثرَ مِن أيّ زمن آخر.