خطبة الجمعة 17 صفر 1440: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: إكرام مسيرة الأربعين

ـــ في مستدرك وسائل الشيعة للميرزا النوري عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (نظر النبي (ص) إلى الحسين بن علي (ع) وهو مُقبِل، فأجلسه في حِجره وقال: إنّ لقَتلِ الحسين حَرَارَةً في قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ لا تَبْرُدُ أَبَداً. ثُمَّ قَالَ (ع): بِأَبِي قَتِيلُ كُلِّ عَبْرَةٍ. قِيلَ: وما قَتِيلُ كُلِّ عَبْرَةٍ، يَا ابْنَ رَسُولِ الله؟ قَالَ: لا يَذْكُرُهُ مُؤْمِنٌ إِلاَّ بَكَى).
ــــ سواء صحَّحنا هذا الخبر أم لم نصحُّحه، يَبقى أنّ لمضمونِه مصداقيّة على أرض الواقع.
ـــــ فذكرى الحسين (ع) وثورتِه تدفع الكثيرين للعمل التطوعي، وللإنفاق بكرم تحت بند إحياء هذه الذكرى، وإبقائها فاعلة وقوية ونابضة بالحياة.
ــــ وهذا جزء من حرارة هذه الذكرى، الحرارة التي لا تَبرد أبداً.
ــــ ونحن نشاهد في السنوات الأخيرة المساهمات والإنفاقات التي تتم في إحياء ذكرى الأربعين الحسينية للزائرين السائرين على أقدامهم من مسافات بعيدة (المشّاية).
ــــ والصور ومقاطع الفيديو تتحدّث عن كرم ضيافةٍ غير مسبوق.. الذبائح.. المشاوي.. الأسماك الطازجة.. التنافس على تقديم أشهى وأطيب المأكولات والأشربة.
ــــ منذ فترة، إذا كانت بعض المطاعم تريد أن تجتذب إليها الزبائن فإنها تعلّق لوحة كُتِب عليها (خبز حار.. كباب حار).. وأعتقد أن ما يجري في طريق (مشّاية الأربعين) يفوق ذلك بكثير، ولابد أن يدخل في موسوعة غينيس للأرقام القياسية.
ــــ ولكن في نفس الوقت، كم أتمنّى لو أنّ رُبع هذه الأطعمة تُرسَل ـــ وباسم الحسين (ع) ـــ إلى المنكوبين في اليمن ممن يقتاتون أوراق الشجر، أو يستسلمون للموت جوعاً وضعفاً.. ألن يكون هذا أرضى للرب، وأسعدَ لقلب الحسين (ع) وأوفق بسيرته التي نقتدي بها؟
ــــ نعم، هذه هي الصورة في اليمن.. في القرن الحادي والعشرين.. في الجزيرة العربية التي تبرك على بحرٍ من النفط! (برنامج الغذاء العالمي) حذّر من أنّ 18 مليون شخص في اليمن يُعانون من انعدام الأمن الغذائي، ومن بين هؤلاء أكثر من 8 ملايين يعانون من انعدام الأمن الغذائي (الشديد)، وأنّ معدّل الجوع هناك حالياً لم يسبق له مثيل.
ــــ يا شيعة علي (ع) تذكّروا هذه الكلمات: (أَمَّا بَعْدُ، يَابْنَ حُنَيْف، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ دَعَاكَ إلى مَأْدُبَةٍ، فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا، تُسْتَطَابُ لَكَ الألْوَانُ، وَتُنْقَلُ إِلَيْكَ الْجِفَانُ... هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ، وَيَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الأطْعِمَةِ ــــ وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوِ بِالْـيَمَامَةِ مَنْ لاَ طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ، وَلاَ عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ ــــ أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى وَأَكْبَادٌ حَرَّى، أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ:
وَحَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍ وَحَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ).
ـــــ ماذا كان طعام معسكر الحسين (ع) في كربلاء خلال الأيام العشرة التي قضوها هناك؟
ـــ أنا لا أريد أن يعاني الزائرون من حالة من الجوع، ولكن ألا يمكن الاكتفاء بالبسيط من الطعام والشراب.. تقرّباً إلى الله، ومواساةً للمنكوبين في اليمن؟
ــــ ألا يريد زائرو كربلاء من مشّاية الأربعين أن يعيشوا ــــ ولو جزئياً ــــ جانباً من واقع الأيام الصعبة التي عاشها الحسين وأهلُ بيته وأنصارُه؟
ــــ أعلم أن كلامي هذا يُزعج البعض، ويُثير حفيظةَ آخرين، ولستُ أريدُ به سوى رضا الله عزوجل، وأن نكون مِن شيعة علي (ع) حقاً، لا على مستوى العنوان والكلمة، بل وعلى مستوى الفعل والسلوك أيضاً.
ــــ أنا لستُ ضدَّ إكرام ضيوف الحسين (ع).. ولست ضدَّ الكرم في المسيرة الأربعينية.. ولكن باعتقادي أننا لو سألنا الحسين (ع): أيُّ الصورتين أقربُ لمواساتِك وأهلِ بيتك وأنصارِك؟ البذخ والإسراف في الإطعام، أم الاقتصادُ وحُسن التدبير في ذلك، مع توجيهِ الفائضِ لإطعامِ الأفواه التي تحِنُّ إلى قِطعةٍ من الخبز اليابس؟ لما عدا جوابُه ما جاء في كلام أبيه أمير المؤمنين (ع) حين قال في ختام رسالته لابن حُنيف: (فَاتَّقِ اللهَ يَابْنَ حُنَيْف، وَلْتَكْفُفْ أَقْرَاصُك، لِيَكُونَ مِنْ النَّارِ خَلاَصُكَ).. أتمنَّى أنْ تصل رسالتي.. وأحمّل المسئولية كل من يجلس هنا، وكل مَن يسمع كلامي، بأن يوصِلوا رسالتي هذه إلى كلِّ الذين يُحيون ذكرى أربعينَ الحسين، ليُعيدوا التفكير، وأن لا يستسلموا للأعراف التي قد تقودُهم أحياناً ـــ ومِن حيث لا يشعرون ـــ إلى خلافِ غاياتِهم ونواياهم الطيبة والمخلِصة.