خطبة الجمعة 10 صفر 1440: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: مَن المسئول عن توهان الشباب؟

ــــ تحدثت في الأسبوع الماضي عن ظهور موجة جديدة بين الشباب تحمل عنوان (الوجودية الإسلامية)، وليس بالضرورة أن يتم تبنّي العنوان، ولكن مضمون هذا الطرح ـــ ولو في بعض مفرداته وأفكاره ـــ صار متداولاً بشكل واضح، وعلى نطاق يستدعي الاهتمام والمعالجة.
ــــ ولكن قبل الاسترسال في بيان النقاط، أود أن أنبّه في الخطبة الأولى إلى مسألة مهمة، وهي أن الشباب المتأثّرين بهذه الموجة ـــ بشكل مباشر أو غير مباشر ـــ هم ضحية عدة عوامل:
1. الإنسان عموماً، والشاب خصوصاً، واقع تحت تأثير مثلث ضاغط يتمثّل في الغرائز الفطرية والملذّات الخارجية، والوساوس الشيطانية التي تؤدّي دور السمسرة بين الغريزة والملذات.
ــــ وهذا المثلث الضاغط بقوة لا يكتفي بجرّ الإنسان إلى الانحراف السلوكي فقط، بل ويدخله في متاهات الانحراف الفكري أيضاً.. وهذا أخطر.
ــــ وقد روي عن أمير المؤمنين علي (ع) أنه قال: (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَتَيْنِ طُولُ الأَمَلِ وَاتِّبَاعُ الْهَوَى، فَأَمَّا طُولُ الأَمَلِ فَيُنْسِي الآخِرَةَ، وَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ).
2. الانفتاح المعلوماتي غير المسبوق والذي تختلط فيه الحقائق بالأكاذيب والأوهام، مما لا يتحمّله أحياناً الكبار ممن تشبّعوا بالتربية الدينية، فكيف بالشباب؟ لاسيما بلحاظ عدم امتلاك الشباب لآليات التمييز بينها، وتفاعلهم الإيجابي مع الجهات المروّجة لتلك الأفكار المنحرفة، بحُسن نية، أو نتيجة عُقَد معيّنة، أو لتجارب سلبية مرّوا بها في الوسط المتديّن.
3. التأثير السلبي لكمٍّ هائلٍ من الخطاب الديني غير الواقعي والسطحي والخرافي والذي لا يحترم العقول، ولا يُقدِّر البحث عن المعرفة القائمة على الدليل والمنطق.
4. التأثير العكسي للسلوكيات غير المسئولة والمتناقضة الصادرة عن عدد لا يُستهان به من المتديّنين ورجال الدين، لا سيما من أولئك الذين تُسلَّط عليهم الأضواء.. وذلك على مستوى
البحث عن الشهرة، والمال، وإشباع الغريزة، وعدم المصداقية، والخضوع للفاسدين.
5. رغبة الشباب في التحلل من القيود والالتزامات ما أمكن، مع وجود كمٍّ هائل من النشاط الترويجي لكل ما يُلبّي متطلبات الغرائز المختلفة من خلال الإنترنت، وسهولة تحقيق ذلك.
6. التأثير السلبي لبعض الحكومات التي تُظهر التمسّك بالدين، في الوقت الذي تنخر فيها أبشع صور الفساد والظلم وسلب الحريات والتعدّي على حقوق الإنسان.
ــــ كل هذه العوامل تجعلنا كأفراد وكمؤسسات دينية وحكومية مسئولين بنحو أو بآخر عن ضياع الشباب في متاهات الانحرافات الفكرية والسلوكية، كما لا تَعفي الشباب أنفسهم عن هذه المسئولية. إننا من خلال عرض الانحرافات الفكرية من قبيل الإلحاد واللادينية والوجودية الإسلامية والرد عليها، لا نريد أن نرجم الشباب، بل أن نمدّ لهم يد العون لنقف سوياً على الطريق الذي يقودنا لتحمّل مسئولية الحياة كما أرادها الله سبحانه وتعالى.