خطبة الجمعة 3 صفر 1440: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: الوجودية الإسلامية ـ 1

ـــ يمكن تلخيص متبنيات (الوجودية الإسلامية) في نقاط، أذكر في هذه الخطبة بعضاً منها:
1ــــ الإيمان بالله، ولكن لا ضير في إيمانِ الآخرين بأنّ إلههم بقرة أو صنم، إذ لا دخل لماهية الإله في تحقق الإيمان، بل مدى إنسانية المؤمن به: (ليس من المهم أن تكون ألوهية الدين تثليثاً أم توحيداً، بشراً كان كبوذا أو مجرداً كان في السماء، المهم هو إنسانوية التدين).
ــــ بل لا ضير في الإلحاد: (الشيوعي الملحد هو مؤمن إن كان إنسانوياً في فعله ونضاله.. لا مشكلة لله أن ينكره الإنسان طالما أن الكفر لدى الله ليس هو عدم الاعتراف به، وإنما عدم الاعتراف بإنسانه.. لأن الكفر ليس قضية بينه وبين الإنسان، وإنما بين إنسان وآخر).
2ــــ كل دين يخدم الإنسانية دينٌ حقيقي: (الأديان الحقيقية ليس تلك التي تملك إلهاً حقيقياً، وإنما تلك التي تملك إنسانية حقيقية.. لذا فالكفار ليسوا هم الذين لا يصلّون الخمس، وإنما هم الذين لا يَصِلون القِيَم، مهما أحاطوا بالكعبة).
ــــ (مرة تعبد حجراً ولكنك لم تضرب به أحداً، فإنْ كسروه لك قبَّلتَ أيديهم. ومرّة تعبدُ الله ولكنك تَسبي وتَقتُل باسمه. في الأول أنت بدين الله حتى وإن كنتَ وثنياً، وفي الثانية أنت ضدّ الله حتى وإن سُمِّيت داعية أو مجاهداً).
3ــــ عدم إنكار النبوّات، ويستشهدون بالقرآن والحديث، ولكنهم يحرّفون أهداف تلك النصوص: (الله لا يرسل الأنبياء لأجل الألوهية، وإنما لأجل الإنسانية.. محاربة النبي لأبي لهب ليس لمسألة استبعاد الله من ألوهيته، وإنما هو استعباد بلال من حريته. لا يهمّ، ليعبد أبو لهب حجراً أو شمساً أو أياً شاء، ولكن ليترك بلال يعيش وجوده.. الرسالة الدينية لدى النبي لا تريد دعوة لله وللألوهية، وإنما دعوة للخير والإنسانوية فحسب... الله لا يريد نبياً يقول: صلّوا وصوموا وحجوا، وإنما نبياً يقول: لا تَخدعوا، لا تَظلموا، لا تَقتلوا، أحِبّوا، اصدقوا، أعينوا).
ـــ أما الرد المجمل على الأفكار السابقة والتي يعتبرونها الأساس في الإسلام الحقيقي فكالتالي:
1ـ قامت دعوة كل الرسالات السماوية، وكل الأنبياء، في الأساس على توحيد الله عزوجل وعبادته وحدَه، ورفضِ كل صور الشرك، واعتبار أنها ضلال مبين: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ، أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ)[هود:25-26].
ـــ (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ) [هود:50].. ويتكرر الأمر في الآية 61 على لسان النبي صالح، ثم شعيب في الآية 84.
ــــ إبراهيم: (وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ، وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ، إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ، قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ، قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ، قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ، قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ، وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ، فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ)[الأنبياء:51-58].
ــــ ولك أن تتجوّل في السور القرآنية المختلفة لتجد أن توحيدَ الله ورفضَ كلِّ صور الشرك والعبودية لغير الله هي الأساس والقاعدة الإيمانية التي يقوم عليها دين الله، وأنّ مَن يخالف ذلك يكون في ضلال مبين ولا يمكن أن يكون على دين الله وكما يريد الله، مهما ارتقى في إنسانيته.
ـــ (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ، فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ...) [آل عمران:18-20].
ـــ هذا لا يعني أن لا قيمة للسلوك الإنساني الصادر عن غير المؤمنين، فهذا خلاف العدالة الإلهية، والله يحب الخير، ويثيب عليه نحواً من الثواب الدنيوي أو الأخروي، إلا أن صاحبه يبقى ـــ على المستوى الإيماني ـــ في ضلال مبين، ولن يكون في مصاف المؤمنين الصالحين.
ــــ وعليه فإن أوّل مبدأ في إسلامك ودينِك هو التوحيد، وادّعاء أن الملحد مؤمن ما دام إنسانوياً، وأن عابد البقر والفئران والقردة والحجارة مؤمن ما دام إنسانوياً، كلام لا علاقة له بالإسلام.
2ــــ كيف يمكن لما كان ضلالاً مبيناً ـــ بحسب تعبير القرآن في موارد عديدة ــــ أن نعتبره ديناً حقيقياً لمجرد أنّ أتْباعَه أصحابُ نزعة إنسانية؟ القاعدة الفكرية أساسية في تقييم الدين، علاوة على العمل الصالح الذي يتفرّع في اتجاهين، الأول عبادة الله وطاعته، والثاني خدمة خلق الله.
3ـــ كل القرآن الكريم والتاريخ يكذّب ادّعاءهم بأنّ الله لا يريد نبياً يأمر بالصلاة والصيام والحج.. نعم، نحن لا نقول أن هذه العبادات مطلوبة لذاتها، فالله هو الغني، بل هي مطلوبة لتعيد الإنسان إلى فطرته الأولى وإنسانيته، وهذا ما تدلّ عليه النصوص التالية:
ــــ (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) [التين:4-6].
ــــ (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ، فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ، وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ، فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ، الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ). [الماعون]
ـــــ فهذا النموذج من المصلّين لا يريدهم الله، كما أنه لا يريد النموذج الذي لا يصلّي... فالنموذج المطلوب هو النموذج المؤمن بالله وبالآخرة والذي يصلّي ويعمل لصالح المحتاجين.
ــــ (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ، فَكُّ رَقَبَةٍ، أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ، أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ، ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ، أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ، عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ) [البلد:11-20].
ـــ ولهذه الأفكار التي المطروحة أبعاد أخرى وتبعات عديدة مرتبطة بمحاربتهم للشريعة والدعوة لتعطيل المساجد ومحاربة العلماء وترك العبادات ورفض اللباس الشرعي للمرأة... إلخ.
ــــ وسأعرض وأناقش هذه الأبعاد في الأسبوع القادم بإذن الله تعالى.
ـــ مما سبق يتّضح أنّ على أتباع الوجودية الإسلامية أن يحدِّدوا موقفَهم أوّلاً، أهم حقاً يؤمنون بالإسلام والقرآن والنبي، أم أن المسألة بالنسبة إليهم وسيلة للتلبيس على الشباب وخداعهم، واتخاذ العنوان الإسلامي ستاراً وتدليساً وفخاً ينصبونه لمن لا يريد الابتعاد عن الإسلام منهم؟ فإنْ كان جوابُهم مثبَتاً، فإنّ كلَّ القرآن يؤكد على أن الإسلام إيمان وعمل صالح، ولا فكاك بينهما.. وأما إنْ كان تمرّدُهم على الانحرافات والتحريفات التي طالت الإسلام، والظواهر السلبية لدى المتديّنين، فنحن نشاركهم ذلك دون أن نبتعد عن القول بتوحيد الله والالتزام بالصلاة وسائر أوامر الله ونواهيه.. إن الإيمان بالتوحيد والالتزام بعبادة الله وبالشريعة المحمدية لا يعني أن يبتعد الإنسان عن إنسانيته وأن يتخلّى عن العمل الصالح، بل إنهما غاية الدين: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) [الجمعة:2].