خطبة الجمعة 11 محرم 1440: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: الأخلاق في حنايا الثورة الحسينية


ــــ عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق).
ــــ للأخلاق في شخصية وحركة الإنسان المسلم في الحياة الأهمية الكبيرة والحيوية، سواء أكان في مواطن الأمن والدعة والرخاء، أم كان في أوقات التحدي والمواجهة والصراع.
ــــ وقد كانت للأخلاق الرفيعة للإمام الحسين (ع) تجلياتها الرائعة في أجواء كربلاء، بكل ما حملته تلك الأجواء من أخبار سيئة مُحبِطة تمثّلت في وصول نبأ استشهاد مسلم بن عقيل وهانيء بن عروة وعبد الله بن يقطر.
ــــ وبكل ما حملته من مواقف الخذلان المتمثلة في تبدّل موقف الكوفيين، وفي الانسحاب الكبير من قبل النفعيّين الذين سايروا الإمام وهم يتصورون أنهم سائرون لقطف ثمار انتصارٍ سهلٍ في بلد سلَّم قيادَه طواعية للإمام (ع).
ــــ وبكل تعقيدات المعركة التي تمثلت في المواجهة غير المتكافئة عدداً بين طرفي المعركة.. وغير ذلك.
ــــ كل هذه الظروف لم تسلخ الإمام الحسين (ع) عن أخلاقه الرفيعة، لأنها جزءٌ لا يتجزأ من شخصيته العظيمة.
ــــ فقد تمثّلت أخلاقه مع نفسه، التي كان حريصاً عليها، لأنها أمانة الله عنده، من خلال حرصه على أن لا يعرِّضها للذل والهوان، وأن يؤكد سموَّ نفسه وعظمتَها، وفي الحديث عن الإمام الصادق (ع): (إنّ الله فوّض للمؤمن أموره كلّها ولم يفوّض إليه أن يذلّ نفسه).
ــــ فقد رفض الإمام الحسين (ع) أن يبيع نفسه إلا بالثمن الأغلى الذي تستحقه وهو الجنة، وكان قوله الخالد: (إلا أن الدّعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السّلة والذّلة، وهيهات منا الذّلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون).
ــــ وتجلت أخلاقُه الرفيعة في علاقته مع أصحابه، وقد خاطبهم في ليلة العاشر في الظرف العصيب الذي يبحث فيه القائد عن الأنصار: (إن هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً وليأخذ كل واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي فان القوم لا يريدون غيري). لئلا يحمّلهم مسؤوليةً استحياءً منه أو خوفاً.
ــــ وتجلّت أخلاقه كأروع ما يكون في علاقته مع أعدائه حين التقى بجيش الحر، فأمر أصحابه بأن يسقوهم الماء ويرشفوا خيولَهم، وكلاهما يقطعان الطريق في مفاوز قفار سحيقة، لا يُفرِّط فيها أحدٌ بقطرة ماء، في لمحة إنسانية ملائكية يندر أن يكون لها نظير في تاريخ البشرية.
ــــ ومن هنا فإن على مَن يقتدي بسيد الشهداء أن يؤصّل الأخلاق في شخصيّته وفي حركته، لتكون جزء لا يتجزأ منها، حاضرة في الشدة والمحنة كما تحضر في الرخاء والأمن، ليكون الإنسان المؤمن في حياته وسيرته وعطائه وتفاعله الاجتماعي كما صوّرته الآيات الشريفة الآتية: (إنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا، إِلاَّ الْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ، وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ، لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ، وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ، وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ، إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ) المعارج:19-35.
ـــــ فالسلام عليك يا مولاي يا عِبرة وعَبرةَ كلِّ مؤمن.. السلام عليك يا من قضيتَ عطشاناً وأنت في جوار الفرات.. السلام عليك يا من أبيت الذل وأعززت الإيمان وتبّرت أوثانَ الطغيان.. السلام عليك وعلى المستشهدين بين يديك ورحمة الله وبركاته.