خطبة الجمعة 20 ذي الحجة 1439: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: هل كان نص الغدير مفاجأة؟

ـــــ ما صدر عن رسول الله (ص) في يوم الغدير حول المرجعية الدينية لعترة أهل بيته وعلى رأسهم أمير المؤمنين(ع) من خلال نص الثقلين، ثم إعلان ولايته، جاء في السياق الطبيعي لتاريخ الإمام، وكتتويج لكل تلك النصوص والمواقف النبوية التي بيّنت للمسلمين مَن هو علي.. وما هي المسؤولية الملقاة على عاتقه بعد النبي.. وما هي مسؤولية المسلمين تجاهه.
ــــ شخصية عايشت النبي (ص) عن قُرب ومن موقع الابن مع أبيه، وهو القائل: (وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ) دون أن يقتصر ذلك على الاتباع الفطري، بل كانت منذ بداياتها حركةً واعية تستهدف الاقتداء بسيد البشرية: (يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِهِ عَلَماً وَيَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ وَلَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ فَأَرَاهُ وَلَا يَرَاهُ غَيْرِي).
ـــــ وكان تتويج ذلك الاتباع عند لحظة نزول الوحي بالرسالة: (وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الْإِسْلَامِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ (ص) وَخَدِيجَةَ وَأَنَا ثَالِثُهُمَا أَرَى نُورَ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ وَأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ (ص) فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الرَّنَّةُ فَقَالَ هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وَتَرَى مَا أَرَى إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ وَلَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ وَإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ).
ــــ وهكذا أصبحت بصمةُ علي (ع) حاضرةً في أشدّ المواقف، وبكل قوة، إعلاءً لدين الله، ونُصرةً لرسول الله (ص). وما أدقّ وصف السيدة الزهراء(ع) لهذه الحقيقة إذ قالت: (كلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله، أو نَجَم قرن للشيطان، أو فَغرتْ فاغرة من المشركين، قَذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صِماخها بأخمصه، ويُخمد لهبها بسيفه، مكدوداً في ذات الله، مجتهداً في أمر الله، قريباً من رسول الله، سيداً في أولياء الله، مُشمّراً ناصحاً، مجدّاً كادحاً).
ــــ فنال علي (ع) من التعريف والتكريم من قبل رسول الله (ص) ما لم ينله أحد من المسلمين، كماً وكيفاً، وهو القائل فيه يوم الخندق: (برز الإيمانُ كلُّه إلى الكفرِ كلِّه)، ويوم خيبر: (لأُعطينّ الرايةَ غداً رجلاً يحبُّ اللهَ ورسولَه ويحبّه اللهُ ورسولُه، كرّارٌ غيرُ فرّار، لا يرجعُ حتى يفتحَ اللهُ على يديه)، ويوم تبوك: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبيّ بعدي؟) ومنزلة هارون من موسى هي ما عبّر عنه القرآن الكريم: (وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي، هَارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) [طه:29ــــ32].
ـــــ والقائل في بيان علمه: (أنا مدينة العلم وعليٌّ بابُها) والقائل في بيان لزوم الاهتداء والاقتداء به: (عليٌّ مع الحق والحقُّ مع عليّ، يدور معه حيثما دار).
ــــ وبعد وفاة رسول الله (ص) أثبتَ عليٌّ (ع) أنه رجل المرحلة.. فحين سُلب حق الحكم والقيادة قارَن بين أمرين، قال: (وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَد جَذَّاءَ، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَة عَمْيَاءَ) فماذا اختار؟ (فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى، فَصَبَرْتُ وَفي الْعَيْنِ قَذَىً، وَفي الْحَلْقِ شَجاً).
ــــ بل وأخذ خطوة أخرى عند اشتداد أمر الردّة في بعض نواحي جزيرة العرب: (فَأَمْسَكْتُ يَدِي حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الْإِسْلَامِ يَدْعُونَ إِلَى مَحْقِ دَيْنِ مُحَمَّدٍ (ص) فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلَايَتِكُمُ الَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّامٍ قَلَائِلَ).
ـــــ وحين تجددت الخيارات أمامه، مع تبدّل المعطيات على أرض الواقع، وتحت ضغط جماهيري كبير، تحمَّلَ مسؤولية قيادة الأمة لإخراجها من أوضاعها المتأزّمة دون أن يكون له مطمع شخصي: (أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَوْلاَ حُضُورُ الْحَاضِرِ، وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ، وَمَا أَخَذَ اللهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلاَّ يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِم، وَلاَ سَغَبِ مَظْلُوم، لألْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا، وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِها، وَلألْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هـذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْز).
ـــ وأخيراً.. فلنجعل من عيد الغدير مناسبةً لنشر مباديء وقيم وتعاليم وثقافة مدرسة العترة من أهل بيت النبوة، ولا نكتفي بجعلها مناسبة خاصةً بالمؤمنين بولايتهم، فقد قدّر الله عزوجل لهم (ع) أن يكونوا الهداة لكل الناس، فلماذا نحجّمهم في أطُرِنا الخاصة، وضمن رؤانا الضيّقة، وآفاقنا المحدودة؟