خطبة الجمعة 28 ذي القعدة 1439: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: الزواج غير التقليدي

ــــ (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21].
ـــــ كل حالة زواج معرّضة للاهتزاز، والفشل، ومواجهة حالة من المد والجزر في العلاقة.. أو الاستمرار والنجاح.
ــــــ وهناك آراء وأفكار عديدة ترتبط بعوامل فشل حالات الزواج، منها ما تَبيّن صحّتها، بينما يفتقر بعضها إلى الدليل، فيما أثبتت التجربة المتكررة خطأ البعض الآخر.
ـــــ من بين هذه الآراء والأفكار المطروحة على طاولة النقاش بقوة: الطريقة التقليدية في الزواج والتي تتم من خلال اختيار الوالدين.. هل هي فعلاً من أسباب بل من أهم أسباب فشل الزواج؟
ـــــ وهل الزواج الناشيء عن علاقة حب عاصفة تربط بين الطرفين، ولربما على الطريقة السينمائية، وكما في الروايات العاطفية هو البديل الناجح؟
ـــ بالطبع، للمسألة بُعد شرعي، ولكنني سأتحدّث بالموضوع مع غض الطرف عن هذا البُعد.
ـــــ من دون شك فإنّ وجود ارتباط عاطفي قوي بين الزوجين أمر مهم لبناء بيت زوجية سعيد وقوي وقادر على مواجهة الظروف والتحديات التي تعصف به.. ولكن هل المشاعر القوية التي تسبق الزواج كفيلة بتحقيق هذه العلاقة القوية في مرحلة ما بعد الزواج؟
ــــ وأنا لا أتحدّث هنا عن الشعور بالإعجاب والانجذاب من طرف واحد أو من طرفين.. كأن تكون هناك رغبة بالارتباط بالزواج.. وإنما أتحدث عن وجود علاقة، وحب، وغراميات.
ــــ في استبيان قام به أستاذ علم الاجتماع د. أسامة عبد الباري في مصر على 1500 أسرة وجد فيه أن أكثر من 75% من حالات الزواج عن علاقة حب مسبقة ــــ والتي تتبّعها ــــ انتهت بالطلاق، بينما كانت تلك النسبة أقل من 5% في الزيجات التقليدية.
ـــ لا أدري مدى اقتراب هذه النتائج من واقعنا في الكويت، ولكن يبدو الأمر منطقياً، لأسباب:
1. الاندفاع العاطفي يُعمي عن رؤية عيوب ومساويء الطرف الآخر.. (وعينُ الرِّضا عن كلَّ عيبٍ كليلة).. حتى إذا ذهبت السَّكرة وجاءت الفكرة، تجلّت العيوب والفروقات، فصارت قراءةُ كلِّ طرف للآخر مختلفة، والمشاعر مختلفة.. ثم تبدأ الانتقادات، لتبرز بعد ذلك المشاكل الكبيرة، لأن التوقّعات كانت مختلفة تماماً.. ولذا تكون ردّة الفعل قوية.
ـــ ولنأخذ بعين الاعتبار أيضاً أن كل طرف في مرحلة ما قبل الزواج يحاول إبراز أجمل ما عنده، أو يتصنّع الكثير من الأمور كسباً لرضا الآخر. أي أن الصورة التي يُظهرها كل طرف للآخر تكاد ترقى إلى المثالية، ثم تَظهر الصورة الحقيقية بعد الزواج وتَظهر معها المشكلات.
2. المشاعر الجيّاشة والحب العاصف قبل الزواج لا يمكن أن يستمر على نفس الوتيرة.. هذه هي النفس البشرية.. وعند الاصطدام بمشكلات الحياة ومسؤولياتها الكثيرة، تتحول الحياة من حلم إلى حقيقة.. وتخبو تلك المشاعر وتبرد تدريجياً.. ولربما تختفي تماماً.. وحيث كانت هي الرابط بين الطرفين، أصبحت العلاقة مُعرَّضة للتدمير مع أية هزة قد تصيبها.
3. كل ما هو جميل ورائع في البداية ــــ إنْ بُني على العاطفة القوية فقط ــــ فإنه سيصبح بمرور الوقت أمراً عادياً، ويبدأ بفقدان جمالياته، هذا إن لم يتحوّل إلى شيء قبيح.
ـــــ بخلاف ما لو كانت قراءتنا وتقييمنا للأمور قد تمّت بشيء من العقل والقناعة الفكرية، وحينها إذا تراكمت التجارب الجميلة فسيكون ذلك ــــ غالباً ـــ سبباً لنشوء علاقة قوية وعاطفية.
4. تقديم كل طرف مصلحة الآخر ورغباته في المرحلة السابقة على الزواج لا تستمر عادة في المرحلة اللاحقة.. ومن هنا عندما تأتي المقارنة بين السابق واللاحق، تشتعل الخلافات ـــ على إثر ذلك ـــ بقوة.
5. الخلط بين الرغبة الغريزية وبين الحب.. وهذه الحالة متكررة بشكل كبير.. ولذا بمجرد وقوع الزواج وقيام هذا الطرف أو ذاك بإشباع هذه الغريزة، تبرد العلاقة، لأن من طبيعة الغريزة أنها متى ما أشبِعت خمَدت.
ـــــ هل هذا يعني سلب حق الطرفين في اختيار زوج المستقبل؟ أبداً، بل إن الزواج نفسه باطل إن لم يتم برضا الفتاة لبطلان العقد.. فالإيجاب في عقد الزواج يكون منها، لا من ولي الأمر.. وليُّ الأمر ــــ بحسب فتوى مَن يرى ولايته على الفتاة البالغة والراشدة ــــ إنما يُمضي رضاها.
ــــ هل الزواج التقليدي هو البديل الناجح؟ لربما يكون كذلك ولكن بشروط، وهو أمر يحتاج إلى معالجة في خطبة منفردة بإذن الله.
ـــــ الذي يجب أن يَنتبه إليه الشباب أنَّ عاطفتهم قوية جداً، ومن هنا فإنّها تُغطّي على كثير من البديهيات والحقائق التي يراها الآخرون، مما يجعل الصورة التي يرونها مختلفة عن تلك التي يراها الآخرون.. وهذا يستدعي منهم:
1ـ عدم التفرّد بالرأي.
2ـ أن يُفسِحوا المجال لرأي الآخرين، لاسيما لأصحاب التجربة والرأي القائم على الدليل.
3ـ أن يتفهّموا خلفيات الرأي المخالف، ولا يعتبروه موقفاً شخصياً أو حالة من التحدّي.
ـــــ وأما الرسائل التي أوجّهها إلى أولياء الأمور حول كيفية تغيير هذا الواقع:
1ـ عليهم إدراك أن التعامل مع هذا الأمر صعب جداً، ويستدعي الدقة والحذر.
2ـ محاولة الإقناع وإثبات الرأي بالدليل.
3ـ لربما مفتاح الحل يتمثّل في التربية المسبقة التي تجعل للوالدين قيمة كبرى لدى الأبناء، في احترام آرائهما وتوجيهاتهما، وفي تحديد معالم العلاقة التي تدفع الأبناء إلى المكاشفة الدائمة والتواصل الدائم ولو مع أحد الوالدين على الأقل، مما يجعل معالجة الأمور أوّلاً بأوّل أيسر من معالجتها بعد استفحالها.
ــــ وأكثر التحدّيات التي يواجهها أولياء الأمور عندما يكبر الأبناء يكون ناشئاً من إهمال أو تراخي أو غفلة أو ضعف العلاقة في المراحل الأولى من حياتهم.
ـــ إن الزواج بناءٌ يُراد له أن يكون قوياً راسخاً مستمراً، يقوم على أساس العقل كما يقوم على أساس العاطفة.. العاطفة القوية التي تسبق الزواج فتُقدِّم كلَّ شيء بأزهى صورة، وتنقل الطرفين من عالم الواقع إلى عالم الأحلام لا يمكنها لوحدها أن تبني علاقة زواج سليمة، إنْ لم نقل أنها مِن أسباب الفشل في كثير من الأحيان.. والتجارب في هذا المضمار كثيرة.. ومن المفترض بالإنسان العاقل ألا يكرّر أخطاء من سبقه. من الجميل أن يختار الشاب زوجة المستقبل عن إعجاب بشخصية فتاة ودينها وأخلاقها وعقلها ومظهرها، فيطلب من والديه أن تكون هذه الفتاة شريكة حياته.. ومن الطبيعي أن ترغب الفتاة في أن ترتبط بشريك حياتها عن معرفة وإعجاب بشخصية شاب لربما زاملها في الدراسة أو في مجال من مجالات الحياة أو القرابة.. ولكن هذا شيء.. وإقامة علاقة زوجية على أساس عاطفيٍّ بحت، لا دور للعقل فيه، ولا واقعية في التقييم.. أو على أساسٍ غريزيٍّ متلبّس بلباس العاطفة، شيء آخر.