خطبة الجمعة 29 شوال 1439: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: التسبيح بحمد الله

ــــ كثيراً ما نجد في القرآن الكريم اقتران التسبيح بحمد الله في ما يصدر عن الإنسان، كما في قوله تعالى: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) [الذاريات:39]، وعن غير الإنسان كما في قوله تعالى: (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) [غافر:35]، وفي قوله عزوجل: (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ) [الرعد:13]، وفي قوله سبحانه: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء:44].
ــــ كما أننا في الصلاة نكرر هذا المصطلح في الركوع والسجود بقولنا: (سبحان ربي العظيم وبحمده، سبحان ربي الأعلى وبحمده).. فما معنى التسبيح بحمد الله؟ وكيف تسبّح الموجودات غير العاقلة بحمد الله؟
ـــ قال العلامة الطباطبائي في تفسير الآية الأولى: (أي نزّهه متلبساً بحمده والثناء عليه).
ــــ أي في حال كونك تحمد الله وتُثني عليه، نزِّه الله عن كل ما لا يليق به، من الشريك والزوجة والولد والظلم والجهل والمحدودية والموت والنوم والتعب والضعف والعبث والتخيّلات البشرية حول ذاته... إلخ، ليعيش الإنسان في هذا الذِّكر المزدوج مزيجاً من التنزيه والثناء.
ـــ ويبدو أن لهذا الذكر المزدوج تأثيراً نفسياً كبيراً، حين يأتي به الإنسان عن وعي وإدراك، وله طاقة دافعة لتجاوز الصعاب، ويُستعان به في الشدائد، لما ترسخه في النفس من معاني عظمة الله، والطمأنينة الروحية لارتابطك بهذا العظيم، والتوجيه نحو الإيجابيات والنِّعَم.
ـــ ويمكن أن يُستَدلّ على ذلك بقوله تعالى موجِّهاً حبيبه رسول الله (ص) وهو يعاني الأمرّين من عناد المشركين وجحودِهم وطغيانِهم: (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى) [طه:130].
ــــ أما كيف تسبّح المخلوقات غير العاقلة وتحمد الله، فهناك أكثر من اتجاه تفسيري، ومن بينها:
1ـ التعبير مجازي.. فكل موجود يكشف من خلال حاجته ونقصه وضعفه عن تنزّه خالقِه عن الحاجة والنقص، وأنّه لو قُدِّر لهذه المخلوقات غير العاقلة أن تنطق لحمِدت الله على نعمه التي أنعم بها عليها.
ـــــ فالتسبيح والحمد قد يكونان عن طريق الكلمة بمدلولها ومعناها، وقد يكونان بالوجود، حيث يجد الإنسان في كل شيء تجسيداً لتسبيح الله، والثناء عليه، بما يدل عليه من معاني المِنّة والعظمة والتنزيه له.
2ـ التعبير حقيقي... فما من موجود مخلوق إلا وهو يشعر بنفسه بعض الشعور، ولكنها تتفاوت كماً وكيفاص، ومن هنا قال تعالى في وصف حال أعدائه: (حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) [فصلت:20-21]، فهذا النطق دليل على وجود ذلك الشعور، وإن لم نستطع نحن أن ندرك ذلك.
ــــ وبالتالي فإنّ كل الموجودات تشعر بعظمة الله ومِنَنِه، وتُعبِّر بطريقةٍ ما عن كمال الله وتنزيهه عن الشريك وعن كل ما لا يليق به، والامتنان لِنعمه... وهذا هو تسبيحها بحمد الله.
ـــ وسواء أكانت تلك الموجودات تُسبّح الله بحمده بنحوٍ من الشعور، أو بدلالة وجودها، فإن الإنسان بعقله وشعوره ولسانه وقدراته مُطالَب بأن ينطق بهذا التسبيح والحمد، وأن يعيش معانيهما، ليتزوّد بهما في الليل والنهار بقوّة الارتباط بالله والتوكّل عليه.