خطبة الجمعة 22 شوال 1439: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: : الكويت أمام تحد خطير


ــ تحدث القرآن الكريم في الآيتين 164 و 165 من سورة الأعراف عن قصة أصحاب السبت، وقسّمت الآيات موقفَ أهل تلك القرية من الانحراف الذي بدأ يظهر فيها على يد بعض الأهالي بالتحايل على التشريع الإلهي بخصوص تحريم الصيد أيام السبت، وذلك إلى فئات ثلاث:
الفئة الأولى: مخالفو التشريع.
الفئة الثانية: الساكتون السلبيون.
الفئة الثالثة: الناهون عن المنكر والباطل.
ــــ أما الفئة الأولى فأمرهم واضح، والقصة مبنيّة على فعلهم المخالف للتشريع والموقف منه، أما موقف الفئة الثانية فيتضح من قوله تعالى: (وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا)؟ وكان جواب الفئة الثالثة: (قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أي إنما نفعل ذلك أداءً للمسؤولية، كي نكون معذورين أمام الله سبحانه في مواجهة هذا الانحراف.
ــــ وكانت النتيجة أن الله تعالى عاقب الفئة الأولى المخالِفة، والفئة الثانية الساكِتة والسلبية، وكتب النجاة للناهين عن المنكر فقط: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ).
ــــ وبالتالي، فإنّ هذه الآيات تؤكّد على ضرورة تحمّل الناس مسؤولياتهم في مواجهة الباطل والانحراف والمنكر والفساد، وأن الساكت عن ذلك مشاركٌ بنحوٍ ما في ما يجري، ويتحمّل بذلك جزء من المسؤولية.
ــــ وأما كيفية المواجهة والتصدّي وتحمّل المسؤولية فتعتمد على الظروف والإمكانات وغير ذلك.
ــــ الكويت اليوم أمام تحدٍّ سياسي وأمني كبير يرتبط بموقفها المبدئي من القضية الفلسطينية.. فخلال الأشهر الماضية ازداد هذا الموقف وضوحاً ونصاعةً وقوةً لاسيّما حين شغلت مقعداً في مجلس الأمن، وحين تصدّت للعربدة الصهيونية في الاتحاد البرلماني الدولي.
ــــ ومن هنا، ومع السعي الحثيث لتمرير جريمة صفقة القرن، ومع نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، جاء هذا الموقف الكويتي الرسمي والشعبي معاً، والمستمر في هذا الاتجاه إلى هذا اليوم وعلى الرغم من كل الضغوط الممارسة ضدها، ليمثّل إنجازاً مهمّاً وحساساً في نفس الموقت.
ــــ هذا الإنجاز دفع بالمتظاهرين في الأراضي الفلسطينية وفي مواجهة القوات الصهيونية إلى رفع العلم الكويتي بكل اعتزاز، شكراً وافتخاراً بهذه المواقف.
ــــ بالطبع هناك بعض الأقلام المحلّية والأصوات الإعلامية النشاز التي صارت في المقابل تروّج بقوّة وبشكل غير مسبوق لضرورة تطبيع الكويت مع الصهاينة.
ــــ وهي بذا ترتكب جريمةً بحق الوطن، وتضرّ بالسياسة الخارجية الكويتية، وتعمل ضدّ القضية المركزية للأمة.. وهي لا تمثّل الموقفين الرسمي والشعبي بأيٍّ حال.. ونسأل الله أن لا نكتشف في يوم ما أنّ هناك مَن يقف وراء هذه الأقلام والأصوات النشاز ويوجّهها.
ـــــ نجد بعض ملامح هذا التحدّي الكبير الذي تواجهه الكويت اليوم في مقال نُشر خلال هذا الأسبوع في صيحفة (نيويورك بوست) الأمريكية تحت عنوان: (الأفضل للكويت أن تمضي مع البرنامج أو أن تكون على استعداد لمواجهة غضب ترامب).
ـــــ كاتبا المقال من مجموعات الضغط اليمينية في الولايات المتحدة، ومضمون المقال بمثابة رسالة تحريضية على الموقف الكويتي المبدئي في مواجهة المشروع الصهيوني للتغلغل إلى الخليج، وفرض نوعٍ من التطبيع مع الصهاينة.
ــــ اعتبر كاتبا المقال أن هذا الموقف الكويتي يمثّل عقبةً جديدة، وجاء فيه: (كان سفير الكويت لدى الامم المتحدة قد انتقد اسرائيل هذا الشهر متهماً الدولة العبرية بـنشر تَرسانة واسعة ومطوَّرة من الأسلحة ضد شعب غير مسلح.. وبطبيعة الحال، هذا استثناء ملحوظ لنمط دول الخليج العربية في الآونة الأخيرة التي زادت من تواصلها مع إسرائيل).
ـــــ وبعد أن ضرب الكاتبان أمثلةً على حالات من التقارب الإسرائيلي العربي قالا: (ولا تزال الكويت تقاوم هذا الاتجاه بشدة. وهي الدولة العربية الخليجية المحافظة التي لا تزال تنخرط في الإدانة المنهجية لإسرائيل).
ـــــ ثم ضمّن الكاتبان المقال تهديداً مبطّناً للكويت باتهامها برعاية الإرهاب الدولي ! وأضافا: (ازدادت معارضة الكويت لإسرائيل منذ أن أصبحت عضواً غير دائماً فى مجلس الأمن الدولى. وقد أعاقت الكويت الجهود الأمريكية... كما أوقفت إدانة الولايات المتحدة لهجمات حماس ضد إسرائيل من غزة).
ــــ ثم اختتما كلامهما بتهديد الكويت بأن موقفها هذا لن يمر بلا حساب، لأنه بمثابة تحدٍّ للولايات المتحدة.
ـــــ إنّ في الأفق مؤشّرات عديدة تدل على أن الكويت قد تكون مُقبلةً على وضع استثنائي، الأمرُ الذي يُحمِّل القوى والشخصياتِ والجمعياتِ الوطنيةِ وعلماءِ الدين وعامةِ الناس مسؤوليةَ دعم الموقف الرسمي لدولة الكويت في التصدّي لمشروعَي التطبيع مع الكيان الصهيوني، والقضاء على القضية الفلسطينية من خلال جريمة صفقة القرن التي اقترب موعد الإعلان عنها، ويُراد من خلالها تقسيم موقف الدول إلى فسطاطين: مَن لم يكن معنا فهو عدوُّنا، في صورة مقاربة إلى ما عشناه في بداية هذا القرن حين تم تقسيم العالَم إلى محور الخير ومحور الشر، لينتهي بنا المطاف إلى كل هذه الفوضى العارمة التي يشهدها العالم اليوم، وإلى كل هذه الحروب والجرائم التي ارتُكبت بحق الإنسانية خلال قرابة العقدين من الزمان. ولتلتفت القوى والشخصياتُ والجمعياتُ الوطنيةُ والدينية إلى أولويتِها اليوم في رصّ الصفوف وتوحيد الكلمة تجاه قضيةٍ تشتركُ جميعُها في كونها على الأقل من قضايانا المركزية والكبرى، إن لم تكن على رأس تلك القائمة، وإلى ضرورة أن ينعكس الموقف الشعبي الموحَّد بالترفّع أوّلاً على جراحات النزاعات الطائفية والحزبية والفئوية والشخصية، ومِن خلال زخَم إعلامي وعلى شبكات التواصل الاجتماعي ثانياً، ليجِدَ الموقفُ الرسميُّ السندَ الكبيرَ الذي يمكن الاعتماد عليه في مواجهة التطبيع والقضاء على القضية الفلسطينية.. وإنْ لم نفعل ذلك فلا نلومنّ إلا أنفسَنا حين يأتي يومٌ نشهد فيه ما لا نتمنّاه. ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.