خطبة الجمعة 22 شوال 1439: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: الرفق في عالم التجارة

عن أبي جعفر الفزاري قال: (دعا أبو عبد الله (ع) مولىً له يقال له: مصادف، فأعطاه ألفَ دينار وقال له: تجهّز حتى تخرج إلى مصر، فإنّ عيالي) أي مَن هم تحت مسؤوليته في النفقة (قد كَثُروا. قال: فتجهّزَ بمتاع) أي بضاعة من المدينة المنورة (وخرج مع التجار إلى مصر، فلما دنوا مِن مصر استقبلتهم قافلة خارجة من مصر، فسألوهم عن المتاع الذي معهم، ما حاله في المدينة؟) أي استفسروا منهم عن مدى حاجة السوق في تلك المدينة المصرية إلى هذه البضاعة (وكان متاع العامّة) أي مما يحتاج إليه عموم الناس من المواد الغذائية أو غيرها (فأخبروهم أنه ليس بمصر منه شيء) وبالتالي فإن تلك السوق بحاجة ماسّة إلى بضاعتهم (فتحالفوا وتعاقدوا) أي تجار القافلة التي يرافقها مصادف (على أن لا يُنقِصوا متاعَهم من ربح دينار ديناراً) أي أن يكون الربح بنسبة 100% من كل شيء (فلما قبضوا أموالَهم انصرفوا إلى المدينة، فدخل مصادف على أبي عبد الله (ع) ومعه كيسان، في كل واحد ألف دينار فقال: جُعلت فداك، هذا رأسُ المال، وهذا الآخر رِبح) ومن الواضح أن مصادف كان فرحاً جداً بنتيجة التجارة هذه، وتوقع أن يفرح الإمام أيضاً، ولكنه كان مخطئاً في ذلك (فقال: إن هذا الربح كثير) وغير متوقع ولا من العادة أن يكون كذلك، فما السر في ذلك؟ فسأله: (ولكن ما صنعتم في المتاع؟ فحدّثه كيف صنعوا وكيف تحالفوا، فقال: سبحان الله تحلِفون على قوم مسلمين ألّا تبيعوهم إلا بربحِ الدينار ديناراً ؟!) بالطبع اليوم البعض يراعي هذا الأمر في عالم التجارة ولكن إذا كان الطرف الآخر من مذهبه فقط، أما إذا كان من مذهب آخر فلا يرحمه، وحتى بعض النصوص الفقهية للأسف تحدد ذلك بالرفق بالمؤمن فقط، أي من أتباع المذهب، فلا يشمل كل المسلمين، وهذا الأمر يحتاج إلى إعادة نظر (ثم أخَذ أحدَ الكيسين فقال: هذا رأس مالي ولا حاجة لنا في هذا الربح، ثم قال: يا مصادف، مجالدُة السيوف أهونُ مِن طلب الحلال).
ــــ يجب أن نلتفت أنه لا يوجد في التشريع الإسلامي ما يحرّم الحصول على ربح 100%، وبالتالي فإنّ الربح الذي حقّقه مصادف ما كان حراماً، ولكن الإمام الصادق (ع) في موقفه أخذ بعين الاعتبار عدة أمور:
1. اعتبر ذلك ربحاً فاحشاً لا بركة فيه، لأنه جاء على حساب حاجة عامّة الناس الضرورية وبما لا يتلاءم مع مواردهم المالية.
2. الإسلام يريد من التجّار أن يرفقوا بحال الناس في حاجاتهم الأساسية والضرورية، وخصوصاً في ساعات العسرة والحاجة.
3. لم يحبّذ الإمام الاتفاق والتعاقد والتحالف الذي تمّ بين التجار وعلى حساب عامة الناس، وبما يؤثّر في توفّر تلك الموارد، أو بما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها بشكل يخالف الرفق بعامة الناس، ويجعل كل الناس مجبورين على الشراء بسعر مرتفع ومحدّد لا مجال للحصول على أقل منه.
ـــ وهذه رسالة إلى التجار وأصحاب رؤوس الأموال في عالم التجارة والصناعة تتضمّن دعوةً للرفق في حركة تنمية المال، لتحلّ البركة في الأرباح، وليكون طلب الرزق عملاً مرضياً عند الله سبحانه. نسأل الله عز وجل أن يبصّرنا بأمور ديننا وأن يوفّقنا لما يحب ويرضى.