خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي حسن غلوم حول الحب في الله ج2


ألقيت الخطبة في 26 يوليو
2009

حب الله له انعكاسات عديدة ذكرتُ بعضها في العدد السابق، وواحدة من الانعكاسات العملية في حياة المسلم هي الحب في الله والبغض في الله، بمعنى أن حبنا لله سبحانه يؤثر في تحديد طبيعة العلاقة مع الآخرين، وبحيث يكون التقرب إلى الله سبحانه هو الهدف من وراء تحديد طبيعة هذه العلاقة وشدتها. ولذا جاء عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أنه قال: (إن أوثق عرى الإسلام أن تحب في الله وتبغض في الله) فالعلاقة التي تنبني على أساس الحب في الله والبغض في الله ستكون أمتن علاقة يمكن أن تؤسَّس بين اثنين، حتى روي عن علي عليه السلام أنه قال: (المودة في الله أقرب نسب) وأنه قال: (المودة في الله آكد من وشيج الرحم).



تشريعات وآداب:



ولم يأتِ هذا من فراغ، فقد جعل الله تعالى لهذه العلاقة مجموعة من التشريعات على مستوى الواجبات والمحرمات والمستحبات والمكروهات، فنظّمها بها، ومَن يلتزم بها ـ بل حتى مجرد الاطّلاع عليها ـ سيدرك لم هي أوثق العرى وآكد من وشيج الرحم. وقد تكون لنا مناسبة قادمة أطرح فيها هذا الموضوع بشئ من التفصيل بإذن الله.



ترجمة عملية:



وقد اعتبر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في الخبر التالي أن الترجمة العملية للإيمان تتحقق من خلال تطبيق هذا المنهج في العلاقات، فقد روي أنه قال لبعض أصحابه: (يا عبد الله، أحِب في الله، وأبغض في الله، ووال في الله، وعاد في الله، فإنه لا تُنال ولاية الله إلا بذلك، ولا يجد رجل طعم الإيمان ـ وإن كثرت صلاته وصيامه ـ حتى يكون كذلك، وقد صارت مؤاخاةُ الناس يومَكم هذا أكثرَها في الدنيا، عليها يتوادون، وعليها يتباغضون).

كما حث الإسلام على التنافس في شدة هذه الحب الإيماني المتبادل، فعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنه قال: (ما التقى مؤمنان قط إلا كان أفضلُهما أشدَّهما حباً لأخيه). واعتبر أن هذا الإخلاص في الحب يصلح أن يكون وسيلة معيارية وتقييمية للشخص نفسه. لاحظ ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام: (إذا أردت أن تعلم أن فيك خيراً فانظر إلى قلبك، فإن كان يحب أهل طاعة الله ويبغض أهل معصيته ففيك خير، والله يحبك، وإن كان يبغض أهل طاعة الله ويحب أهل معصيته فليس فيك خير، والله يبغضك، والمرء مع من أحب). سواء وصلك ضرر من أعداء الله أم لم يصلك، وسواء وصلتك منفعة دنيوية أو أخروية ممن تحب أم لم تصلك.



أدب الحب في الله:

وهناك جانب آخر، وهو مما يمتاز به الإسلام كثيراً، وهو اهتمامه في جانب الآداب، فلكل شيء أدب وإتيكيت، وهناك أدب لإظهار المحبة في الله. وقد روي أن رجلاً قال للإمام علي زين العابدين عليه السلام: (إني لأحبك في الله حباً شديداً، فنكس عليه السلام رأسه، ثم قال: اللهم إني أعوذ بك أن أحب فيك وأنت لي مبغض، ثم قال له: أحبك للذي تحبني فيه).

ونلحظ هنا جانبين في هذا الأدب: الأول يرتبط في العلاقة مع الله، وهو ما بحثناه في الأسبوع الماضي، فالأساس هو حب الله تعالى والذي يجب أن يكون مطلقاً ولا يساويه شيء، ولذا قال عليه السلام (اللهم إني أعوذ بك أن أحب فيك وأنت لي مبغض)، وإلا فما قيمة الحب في الله في حين أن الله مبغض للمحب نفسه؟! فالأول فرع الثاني، فإذا كان الأساس باطلاً، فما قيمة الفرع؟!

أما الجانب الثاني فهو التفاعل مع مشاعر الطرف الآخر، فردّ عليه الإمام (أحبك للذي تحبني فيه)، مع بيان السبب وراء هذا الشعور المتبادل والدافع له، وفي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره أنه يحبه).

البشارة:

وأما البشارة للمتحابين في الله فقد جاءت في الخبر التالي، فعن الصادق عليه السلام أنه قال: (إن المتحابين في الله يوم القيامة على منابر من نور، قد أضاء نور أجسادهم ونور منابرهم كل شيء، حتى يُعرفوا به، فيقال: هؤلاء المتحابون في الله).

وفي الكافي عن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام أنه قال: (إذا جمع الله عزوجل الأولين والآخرين، قام مناد فنادى يسمع الناس فيقول: أين المتحابون في الله؟ قال: فيقوم عنق من الناس فيقال لهم: اذهبوا إلى الجنة بغير حساب. قال فتلقاهم الملائكة فيقولون: إلى أين؟ فيقولون: إلى الجنة بغير حساب، قال: فيقولون: فأي ضرب أنتم من الناس؟ فيقولون: نحن المتحابون في الله. قال: فيقولون: وأي شيء كانت أعمالكم؟ قالوا: كنا نحب في الله، ونبغض في الله. قال: فيقولون: نعم أجر العاملين).