خطبة الجمعة 11 شعبان 1439: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: انتحال النبوءات المهدوية


ــــ تعاهَد المسلمون عبر القرون المرويّات النبوية حول ظهور المهدي (ع)، باعتباره القائد الذي يُعوَّل عليه في الخلاص من الظلم والجَوْر حينما يستفحل ويمتدّ.. ثم تمّ توظيف هذه المرويّات أحياناً لمصلحة سياسية أو ثورية بما يخدم هذا الطرف أو ذاك.
ــــ مثلاً، في أواخر العهد الأموي، مع امتداد الظلم وشدّته، وبروز التحالف العلوي ـــ العباسي المعارض والثائر، تم إبراز محمد بن عبدالله بن الحسن المثنى ابن الإمام الحسن المجتبى من قِبَل أبيه كقائد لهذا الحراك الثوري، وطرحه على أنه هو المهدي المنتظَر.
ـــ بالطبع أبوه عبد الله كان أكبر منه سنّاً، وأولى بالقيادة، ولكن اسم الابن هو الذي تلاءم مع المرويّ حول اسم المهدي.. (اسمه اسمي).. أي: محمد.. وكان هذا التحالف بحاجة إلى تقوية دلالة الرواية، فأضيفت عبارة: (واسم أبيه اسم أبي).. أي: محمد بن عبدالله! ولكنه قُتِل على يد العباسيين أنفسهم بعد أن نجحوا في إقصاء العلويين وقتلهم.
ـــ وهكذا قام الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور واسمه عبدالله، بالاستفادة من كلِّ الزخم الروحي الخاص بالإيمان بالمهدي وانتظار دولته العادلة، وما انتشر من حديث كان يراد به محمد بن عبد الله الحسني، فلقّب ابنَه محمداً بالمهدي، وجعله الخليفة مِن بعده!
ـــ ومن طريف ما قرأت ما جاء في كتاب (مقاتل الطالبيين) للأصفهاني عن أبي سلمة المصبحي، قال: (حدثني مولىً لأبى جعفر) أي المنصور (قال: أرسلني أبو جعفر، فقال: اجلس عند المنبر فاسمع ما يقول محمد) بن عبدالله الحسني (فسمعتُه يقول: إنكم لا تشكّون أنّي أنا المهدي، وأنا هو. فأخبرتُ بذلك أبا جعفر، فقال: كذب عدوُّ الله، بل هو ابني).
ـــ ولم يكتف بذلك، بل وضع له الحديث، ففي (الجامع الصغير) للسيوطي والمتقي الهندي في (البرهان) عن عثمان بن عفان قال: (سمعتُ النبيَّ (ص) يقول: المهديُّ مِن وُلد العباس عَمّي).
ـــــ وهكذا فعل محمد بن عبدالله ابن تومرت في القرن السادس الهجري، وهو من أمازيغ المغرب العربي، حيث بدأ يدعو إلى المهدي ويشوّق الناس إليه، فلما تحقَّق له ذلك ادّعى أنه هو المهدي المنتظَر، وقال: (أنا المهديُّ المعصوم، أنا أحسنُ الناس معرفةً بالله ورسوله)، وغيّر نسَبَه الأمازيغي إلى نسب الإمام الحسين، وأوجب على الناس الاقتداء به، وتفويض الأمر إليه في كل شيء، ثم أسّس دولة الموحّدين التي سرعان ما انهارت واختفى بعد هزيمته في إحدى المعارك.
ــــ وتوالت طوال العهود المختلفة الادعاءات بالمهدوية أو التمهيد المباشر لظهور الإمام المهدي، في الحجاز والمغرب والسودان والصومال والهند وبلاد فارس والعراق وغيرها، وانتهت كل الحركات المصاحبة لها بالفشل، أو بالإبادة، أو بانكشاف حقيقة أنها صناعة مخابراتية بحتة كما هو الحال مع القاديانيّة والبابيّة، ومِن قبيل ما ظهر بعد سقوط نظام الطاغية صدام من مخلّفات رجال مخابرات حزبِه البائد مِن مدّعين للارتباط بالإمام المهدي (ع) والتمهيد له تحت عناوين مختلفة.
ــــ وقد ذكر صاحب مقدمة كتاب (العُرف الوَردي في أخبار المهدي لجلال الدين السيوطي) ثمانيةً وثلاثين اسماً لمدّعي المهدوية، أو مَن نُسب لهم ذلك زوراً.
ـــ في سنة 1981 صدرت رواية بعنوان (The Mahdi) للكاتب (أ. ج. كوينيل) واسمه الحقيقي (فيليب نيكلسون)، وهو روائي بريطاني مشهور. تدور هذه الرواية الخيالية حول محاولة من مخابرات إحدى الدول لقطع الطريق على المهدي الحقيقي باصطناع مهدي مزيّف تابع لها، وتجعل له سيناريو شبيه جداً بسيناريو ظهور الإمام المهدي كما جاء في الأحاديث. حيث تُحضِر ذلك المزيّف عند الكعبة، وتجلبُ له أنصاراً، فيُعلن دعوته بعد نهاية موسم الحج، ويقوم أنصارُه المزيّفون أيضاً بإعلان إيمانهم به، فتتقدم امرأة عجوز، هي أيضاً من الجوقة المخابراتية، وتطلب منه بيّنة، فتقول له: إنّ الأنبياء السابقين كانوا يُقدّمون قرباناً فتنزل نارٌ من السماء فتُحرق ذلك القربان! فيؤتى بالخروف أمام المسجد الحرام؛ وتُرسَل أشعّة من قمر صناعي ليُحرق بها القربان.. ويؤمِن به الناس، لينطلق المهدي المزيَّف بعد ذلك لينفّذ الأجندة المخابراتية الموكولة به.
ــــ ومن هنا فإنَّ المهم جداً أن نتعامل بحَذَر مع المرويّات المتعلّقة بالقضية المهدوية، سواء في شخصه (ع) أو في أنصاره والأحداث المتعلّقة بظهوره، مع الابتعاد عن إسقاط النصوص الواردة في هذا المجال على الواقع بطريقة متكلِّفة، كما حصل قبل سنتين بخصوص داعش، وهو ما تحدّثتُ عنه في حينه، وبيّنت الأخطاء الفادحة التي وقع فيها مَن روّج إلى كونهم أصحاب الرايات السود، والإخبار عن قرب عصر الظهور اعتماداً على ذلك. ولنضع بالحُسبان أن الله عز وجل إذا شاء للإمام المهدي (ع) بالظهور فإنّ ذلك سيكون واضحاً وضوح الشمس في كبد السماء، وبالحجج والأدلة والآيات البيّنات، لا لَبس فيه ولا غموض، ولن يَظهر على الطريقة المخابراتية، وبالحيل وإثارة الفتن بين المؤمنين، ولن يكونَ أمرُ التمهيدِ له على يدِ أناسٍ عُرفوا بالجهل، أو بالارتباطِ بجهاتٍ مشبوهة، أو مِن خلال التحليلاتِ المغلوطةِ التي يُقدِّمها مراهقو وسائل التواصل الاجتماعي.