خطبة الجمعة 4 شعبان 1439: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: الصحيفة السجادية والباطل الفكري والأخلاقي

ــــ تحدثتُ في أكثر من مناسبة عن أنّ لأدعية الصحيفة السجادية أبعاداً إيمانية وتربوية وأخلاقية، وأنها لا تقتصر على بُعد طلب الحوائج من الله فقط.
ـــ أي أنك عندما تقرأ هذه الأدعية، فإنّك ستجد فيها تعاليم ترسّخ مباديء الإيمان السليمة التي يحارب ويواجه ويُعرّي من خلالها الإمام (ع) عقيدة الإرجاء ـــ على سبيل المثال ـــ والتي وجد فيها الأمويّون خير وسيلة لتبرير سلوكياتهم ، من حيث أن الإرجاء يتلخّص في أنه لا تضر مع الإيمان سيئة.. آمِن وافعل ما شئت. ولعل دعاء مكارم الأخلاق ــــ وهو الدعاء العشرون في الصحيفة السجادية ــــ خير مثال على ترسيخ حقيقة عدم كفاية الإيمان، وضرورة العمل الصالح بأنواعه، من عبادة، وسلوكيات اجتماعية، وآداب، وغير ذلك.
ـــ وهكذا، وحيث انتشرت بين الناس أشعار المجون والغزل والهِجاء والفُحش من القول، وانشغلوا بها وملأوا بها أوقات فراغهم، حتى صارت الذِّكر البديل عن ذِكر الله سبحانه على الألسن، حارب الإمام (ع) ذلك من خلال الدعاء أيضاً، بتذكير الناس بما نسوا من تعاليم القرآن وسنة النبي (ص) حول مسؤولية الكلمة،
وعفة اللسان، وأهمية ذكر الله عز وجل.
ــــ ونجد مثال ذلك في الدعاء الحادي عشر من الصحيفة بعنوان (دعـاؤه بخواتم الخير) وفيه: (يا مَنْ ذِكْرُهُ شَرَفٌ لِلذَّاكِرِينَ، وَيَا مَنْ شُكْرُهُ فَوْزٌ لِلشَّاكِرِينَ، وَيَا مَنْ طَاعَتُهُ نَجَاةٌ لِلْمُطِيعِينَ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَاشْغَلْ قُلُوبَنَا بِذِكْرِكَ عَنْ كُلِّ ذِكْر، وَأَلْسِنَتَنَا بِشُكْرِكَ عَنْ كُلِّ شُكْر).
ــــ وبما أنّ أوقات الفراغ من أهم مداخل الشيطان والنفس الأمارة بالسوء للاهتمام والانشغال بتلك الملهّيات المدمّرة للأخلاق والمشجِّعة على الفواحش، أتبع الإمام دعاءه بقوله: (فَإنْ قَدَّرْتَ لَنَا فَرَاغاً مِنْ شُغُل، فَاجْعَلْهُ فَرَاغَ سَلاَمَة، لا تُدْرِكُنَا فِيهِ تَبِعَةٌ) بأن نملأها بما حرّمت (وَلاَ تَلْحَقُنَا فِيهِ سَاَمَةٌ) من الأعمال التي تحبها وتثيب عليها (حَتَّى يَنْصَرِفَ عَنَّا كُتَّابُ السَّيِّئَاتِ بِصَحِيفَة خَالِيَةٍ مِنْ ذِكْرِ سَيِّئاتِنَا، وَيَتَوَلّى كُتَّابُ الْحَسَنَاتِ عَنَّا مَسْرُورِينَ بِمَا كَتَبُوا مِنْ حَسَنَاتِنَا).