خطبة الجمعة 19رجب 1439: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: الحياء والإيمان

ـــ مما جاء في وصايا الإمام موسى الكاظم(ع) لهشام بن الحكم: (يا هشام، الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة).
ــــ يراد بالحياء غالباً الرادع الاجتماعي الذي يمنع الإنسان عن فعل القبيح، أي أن يتحرّج الإنسان عن فعل القبيح تجنباً للتبعات الاجتماعية السلبية كالتوبيخ أو السمعة السيئة.. ويقابل ذلك التقوى التي تمثّل الرادع المنطلق من الإيمان بالله سبحانه والرغبة في جلب رضاه أو تجنّب غضبِه.
ـــ وهناك قسم آخر من الحياء، هو الحياء من الله، بأن يتحرّج الإنسان عن فعل القبيح والمحرّم انطلاقاً من الشعور العميق بنِعَم الله، أو بالرقابة الإلهية، وبالتالي يكون شُعبة من شُعَب التقوى.
ـــ والحياء شيء، والخجل شيء آخر، لأنّ الحياء الارتداع عن القبيح وعن الحرام، بينما الخجل هو الامتناع عن فعل ما هو حسَن لسبب نفسي كفقدان الثقة بالنفس، أو لسوء التربية، أو لغير ذلك.
ــــ فعندما لا يستطيع الفرد أن يتبادل الحديث مع أقرانه مثلاً، أو يتلعثم عند طلب شراء غرض من البائع في السوق أو يتجنّب ذلك ويرسل مَن يقوم بهذا الأمر بدلاً عنه، فهذا من الخجل لا الحياء.
ــــ والإمام الكاظم (ع) في المقطع السابق من الوصايا ينبّه إلى أن الله يحب الحياء ويريده ويشجّع عليه، ولذا عبّر بأنه جزء من الهوية الإيمانية للفرد، على الرغم من أن ترك الفرد لذلك القبيح أو المحرّم لم يكن بدافع التقوى والتقرب إلى الله، لأنَّ ترك القبيح والمحرم في حدّ ذاته أمر مطلوب، ولو تحقّق بمثل الحياء.
ــــ ثم قال (ع): (والبذاء من الجفاء، والجفاءُ في النار).
ـــ وضَع الإمام الكاظم (ع) (البذاءَ) في مقابل (الحياء)، أي أنه يتحدّث عن الفرد الذي يفقد الذوق والحس الاجتماعي بالمستوى الذي لا يبالي معه أن يكون معروفاً بقُبح اللسان وفُحش الكلام، ولا يبالي أن يُعاب عن حقّ على ذلك.
ــــ وصدور البذاءات بصورة مستمرة مِن مثل هذا الفرد دليلٌ على اتصافِه بغِلظة الطبع، لأنّ الجفاء في اللغة بمعنى غِلظة الطبع، وهي صفةُ أهلِ النار، لا صفة المؤمنين الصالحين، لأنّ المؤمن طيّب هيّن رؤوف رحيم عطوف.
ــ ثم قال (ع) بانياً على الفكرة السابقة: (يا هشام، المتكلمون ثلاثة: فرابح وسالم وشاجب) أي هالك (فأما الرابح: فالذاكر لله؛ وأما السالم: فالساكت؛ وأما الشاجب: فالذي يخوض في الباطل. إنّ الله حرّم الجنّة على كلِّ فاحشٍ بذيٍّ قليلِ الحياء، لا يبالي ما قال، ولا ما قيل فيه، وكان أبو ذر رضي الله عنه يقول: (يا مُبتغِي العلم، إنّ هذا اللسانَ مفتاحُ خيرٍ ومفتاحُ شرّ، فاختِم على فيك كما تختِمُ على ذهبكِ وورَقِك) .
اللهم اجعلنا من أهل التقوى والحياء، ولا تجعلنا من أهل الفحش والبذاء، اللهم بصرنا بأمور ديننا ودنيانا، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنك سميع مجيب.