خطبة الجمعة 12رجب 1439: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: علي (ع) يحذر من الغفلة

ـــ من خطبة لأمير المؤمنين (ع) كما في نهج البلاغة برقم 230: (فَإِنَّ تَقْوَى اللَّهِ مِفْتَاحُ سَدَادٍ) تسدّد وتوجّه مسيرة الإنسان في الاتجاه السليم (وَذَخِيرَةُ مَعَادٍ) حيث سيجني الإنسان في الآخرة ثمرات التقوى (وَعِتْقٌ مِنْ كُلِّ مَلَكَةٍ) خلاص وعتق للإنسان من كل ما يمكن أن يحوّله إلى عبدٍ، من شهوة، أو إنسان، أو دنيا، أو غير ذلك (وَنَجَاةٌ مِنْ كُلِّ هَلَكَةٍ. بِهَا يَنْجَحُ الطَّالِبُ) الذي يطلب رضا الله والجنة (وَيَنْجُو الْهَارِبُ) الذي يهرب من غضب الله وعقابه (وَتُنَالُ الرَّغَائِبُ. فَاعْمَلُوا وَالْعَمَلُ يُرْفَعُ) اعملوا ما دامت الفرصة قائمة بحياتكم في هذه الدنيا، لأن الموت إذا فاجأكم حال شبابكم أو كهولتكم فلن تكون هناك فرصة أخرى (وَالتَّوْبَةُ تَنْفَعُ، وَالدُّعَاءُ يُسْمَعُ، وَالْحَالُ هَادِئَةٌ، وَالْأَقْلَامُ جَارِيَةٌ) أما إذا مات الإنسان رُفع القلم عن كتاب أعماله إلا اللهم مَن يترك أثراً طيباً من ولد صالح يدعو له أو علم يُنتفع به أو صدقة جارية تجعل رصيده متنامياً وإن غادر هذه الحياة.
ــــ ثم ينبّه الإمام (ع) في المقطع اللاحق إلى حُسن استغلال الفترة التي يكون فيها الإنسان في قوة من جسده وعافية من صحته ونشاط من حركته، لأن المرحلة التي تليها مرحلة ضعف وتقهقر القوى، هذا إن لم يفاجئه المرض المقعِد أو الموت وهو في ريعان شبابه وقوته: (وَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ عُمُراً نَاكِساً، أَوْ مَرَضاً حَابِساً، أَوْ مَوْتاً خَالِساً، فَإِنَّ الْمَوْتَ هَادِمُ لَذَّاتِكُمْ، وَمُكَدِّرُ شَهَوَاتِكُمْ، وَمُبَاعِدُ طِيَّاتِكُمْ. زَائِرٌ غَيْرُ مَحْبُوبٍ، وَقِرْنٌ غَيْرُ مَغْلُوبٍ) أي أنه قرين الإنسان يلاحقه ولا فكاك منه فإذا حانت اللحظة انقضّ عليه وقهره (وَوَاتِرٌ غَيْرُ مَطْلُوبٍ) وكأنَّ الموتَ إنسان يغتالك دون أن يكون هناك من يأخذ لك بالثأر منه (قَدْ أَعْلَقَتْكُمْ حَبَائِلُهُ) قد وقعتم في مصيدته فمسألة موتكم هي مسألة وقت لا أكثر (وَتَكَنَّفَتْكُمْ غَوَائِلُهُ) وأحاطت بكم مصائبه (وَأَقْصَدَتْكُمْ مَعَابِلُهُ) نصال سهامه حادة وطويلة فلا مهرب منها إذا أصابتكم (وَعَظُمَتْ فِيكُمْ سَطْوَتُهُ، وَتَتَابَعَتْ عَلَيْكُمْ عَدْوَتُهُ) بالأمراض والهموم وضعف العقل والجسد (وَقَلَّتْ عَنْكُمْ نَبْوَتُهُ) أخطاؤه (فَيُوشِكُ أَنْ تَغْشَاكُمْ دَوَاجِي ظُلَلِهِ، وَاحْتِدَامُ عِلَلِهِ، وَحَنَادِسُ غَمَرَاتِهِ، وَغَوَاشِي سَكَرَاتِهِ، وَأَلِيمُ إِرْهَاقِهِ، وَدُجُوُّ أَطْبَاقِهِ، وَجُشُوبَةُ مَذَاقِهِ) ما أروع هذا التصوير! وكأن الموت موجود ضخم مرعب يسدّ أفق الإنسان، فتظلمّ الدنيا من حوله، ويُطبق عليه لتبدأ المعاناة الجسدية والروحية ألماً ورُعباً (فَكَأَنْ قَدْ أَتَاكُمْ بَغْتَةً، فَأَسْكَتَ نَجِيَّكُمْ) عند الموت يتوقف الإنسان عن الكلام حتى على مستوى الصوت المنخفض (وَفَرَّقَ نَدِيَّكُمْ) يتفرّق جمع الناس من حولكم (وَعَفَّى آثَارَكُمْ، وَعَطَّلَ دِيَارَكُمْ، وَبَعَثَ وُرَّاثَكُمْ، يَقْتَسِمُونَ تُرَاثَكُمْ، بَيْنَ حَمِيمٍ خَاصٍّ لَمْ يَنْفَعْ، وَقَرِيبٍ مَحْزُونٍ لَمْ يَمْنَعْ، وَآخَرَ شَامِتٍ لَمْ يَجْزَعْ).
ـــــ أمام هذه الحقائق المؤلمة والواضحة والحتمية، ما العمل؟ (فَعَلَيْكُمْ بِالْجَدِّ وَالِاجْتِهَادِ، وَالتَّأَهُّبِ وَالِاسْتِعْدَادِ، وَالتَّزَوُّدِ فِي مَنْزِلِ الزَّادِ، وَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا كَمَا غَرَّتْ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، وَالْقُرُونِ الْخَالِيَةِ، الَّذِينَ احْتَلَبُوا دِرَّتَهَا، وَأَصَابُوا غِرَّتَهَا، وَأَفْنَوْا عِدَّتَهَا، وَأَخْلَقُوا جِدَّتَهَا، وَأَصْبَحَتْ مَسَاكِنُهُمْ أَجْدَاثاً، وَأَمْوَالُهُمْ مِيرَاثاً، لَا يَعْرِفُونَ مَنْ أَتَاهُمْ، وَلَا يَحْفِلُونَ مَنْ بَكَاهُمْ، وَلَا يُجِيبُونَ مَنْ دَعَاهُمْ. فَاحْذَرُوا الدُّنْيَا فَإِنَّهَا غَدَّارَةٌ غَرَّارَةٌ، خَدُوعٌ مُعْطِيَةٌ، مَنُوعٌ مُلْبِسَةٌ، نَزُوعٌ لَا يَدُومُ رَخَاؤُهَا، وَلَا يَنْقَضِي عَنَاؤُهَا، وَلَا يَرْكُدُ بَلَاؤُهَا).