خطبة الجمعة 5 رجب 1439: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: الإمام الباقر (ع) ومعايير التشيع

ـــ عند مراجعة مجموعة الأحاديث المروية عن الإمام محمد الباقر (ع) نجد تكراراً وتركيزاً على بيان صفات ومشخّصات الولاء والتشيّع لأهل بيت النبي (ع).
ــــ تارة بالانطلاق برواية قول إمام هذه المدرسة أمير المؤمنين علي (ع) كما في الخبر التالي الذي رواه الكليني في الكافي: عن أبي جعفر (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع): (شيعتُنا المتباذِلون في ولايتِنا، المتحابُّون في مودّتِنا) أي أن تولّيهم لأهل البيت يدفعهم إلى الإحساس بانتماء بعضهم لبعض وأنهم وحدة واحدة. ولهذا انعكاسات، ومنها أن يُعين بعضهم بعضاً مادياً عند الحاجة، كما أن اشتراكهم فيمودّة أهل البيت يجب أن تكون الدافع لهم لكي يحب بعضهم بعضاً (المتزاورون في إحياءِ أمرنا، الذين إذا غَضِبوا لم يَظلِموا، وإن رَضُوا لم يُسرِفوا) والإسراف هنا لا يخصّ الإنفاق، بل المراد به ألاّ يفقدوا حالة التوازن في شخصياتهم، بأن يحافظوا على حالة الاتزان في تصرفاتهم وفي علاقاتهم بالآخرين وفي التزامهم الشرعي (بركةٌ على مَن جاوروا، سِلمٌ لِمَن خالَطوا).. ما أروع هذا الوصف!
ـــ وتارة أخرى بلسانه كما في الكافي أيضاً عن عمرو بن خالد، عن أبي جعفر (ع) قال: (يا معشر الشيعة ــ شيعةِ آلِ محمد ــ كونوا النُّمْرُقَةَ الوُسطى) أي الوسادة، وقد قال تعالى في الآية 15 من سورة الغاشية: [وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ] والتشبيه بالنُّمرُقة لأنه يُعتمد عليها، والتّقييد بالوسطى لكونهم بين الإفراط والتّفريط (يَرجِعُ إليكم الغالي) فالمغالي يتجاوز الحد المطلوب، وعليه أن يلتفت إلى المعيار الذي يُقيّم به أفكاره ومتبنياتِه ومواقفَه فيعود إليها ولا يكابر ولا يزايد (ويَلحقُ بكم التالي) وهو المتأخّر عن الرّكب الذي يحتاج إلى أن يصل إلى مَن يمثّل الحالة الوسطية ليأخذ عنه ويهتدي به (فقال له رجل من الأنصار يُقال له سعد: جُعلت فداك، ما الغالي؟ قال قومٌ يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، فليس أولئك منّا ولسنا منهم. قال: فما التالي؟ قال: المرتادُ) أي الطالب (يُريدُ الخيرَ، يُبلِّغُهُ الخيرَ، يوجَرُ عليه.) فمن يمثّل الحالة الوسطية سيعمل على أن يكون بمثابة الملجأ إليه فيوصله إلى الخير فينال الأجر (ثم أقبَلَ علينا فقال: والله ما معنا مِن الله براءة، ولا بيننا وبين الله قرابة، ولا لنا على الله حُجّة، ولا نتقرَّب إلى الله إلا بالطاعة، فمن كان منكم مُطيعاً لله تنفعْه ولايتُنا، ومَن كان مِنكم عاصياً لله لم تنفعْه ولايتُنا، ويْحَكم لا تَغترّوا، ويْحَكم لا تَغترّوا).
ــــ من الواضح جداً أنّ الإمام كان يشخّص خطراً مُحدِقاً بالتشيع والولاء لمدرسة أهل البيت (ع) وفعّالاً كنوع من الانحراف الذي يحاول تمييع الصورة الحقيقية المتمثّلة في المقوِّمات الرئيسة للشخصية المؤمنة التي عرَضها القرآن الكريم بوضوح: الإيمان والعمل الصالح.. الإيمان والتقوى.. الإيمان والأخلاق.
ــــ وأيّ ادّعاء سوى هذا باطل، ومتعارض بجلاء مع النص القرآني ومع تعاليم أهل البيت.. هذه الحركة كانت نوعاً من عقيدة الإرجاء التي اختلقها الأمويّون فتغلغلت إلى التشيع.
ــــ الخطر والانحراف الآخر الكبير الذي كان يُقلق الإمام الباقر (ع) وصرّح به في الحديث السابق هو خطر الغلو، وهو ما سنسلّط عليه الضوء في الخطبة الثانية بإذن الله تعالى.