خطبة الجمعة 28 جمادى الآخرة 1439: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: المساواة بين الرجل والمرأة


ــــ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].
ــــ مؤخراً، وبعد أن أُشبعت قضية علاقة الإسلام بالإرهاب كلاماً وإثارة، وأصبحت ملفاً بالياً، وخفّ وهَج قضيّة الإلحاد، تم فتح ملف آخر كإشكالية موجّهة إلى الإسلام في فكره وتشريعاته وأخلاقياته وهي مسألة المساواة بين الرجل والمرأة. وأثيرت بقوّة في أجواء الاحتفال باليوم العالمي للمرأة.
ــــ وامتزجت مع هذا العنوان، موارد التحرش الجنسي الكثيرة التي أثيرت في وسائل الإعلام على مدى عام تقريباً، وشملت شخصيات عالمية من كافة الفئات.. فعادت قضايا المرأة إلى الواجهة من جديد وفي دائرة أوسع من الدائرة الإسلامية، وشملت أكثر الدول تحرّراً.
ــــ ومن هنا وجدنا في هذه السنة أنّ الاحتفال بهذا اليوم كان ذا صدىً خاص، صوتاً ومضموناً، حيث أثيرت قضايا من قبيل المساواة بين الرجل والمرأة، العنف ضدها، وصور الاضطهاد والاستغلال، وأمثال ذلك... فما هو موقف الإسلام من مسألة المساواة بين الرجل والمرأة؟
ــــ قرآنياً، الرجل والمرأة متساويان في الحقيقة الإنسانية.. أي ليست المرأة كائناً أقلّ إنسانية من الرجل، بل بمقدار ما هو إنسان، هي إنسان.. على خلاف أرسطو ـــ مثلاً ــــ والذي اعتبر أن الرجل: (هو الذي يأمر دون المرأة، كما أن الكائن الأكبر والأكمل هو الذي يتأمّر على الأصغر والأنقص).
ــــ ومن آثار هذا التساوي بينهما في الإنسانية ـــ بحسب القرآن الكريم ــــ تساويهما في نتيجة العمل الصالح في الآخرة: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل:97] .
ــــ أما التمايز الجسدي الواضح بين الرجل والمرأة فيعود لتحقيق التكامل بينهما في الحياة؛ وهذا لا يمسّ أصل الحقيقة القرآنية السابقة والتي تؤكد على تساويهما في الإنسانية.
ــــ التمايز التكويني الجسدي بينهما يؤدّي إلى التباين الوظيفي، وهو بدوره يؤدّي إلى التباين التشريعي:
ــــ عبادياً: من قبيل عدم التكليف بالصلاة والصيام أثناء فترة الطمث، وإعفائها من الصيام إن ثَــقُل بها الحمل وأتعبها، وتشريع الاستثناءات الخاصة ببعض مناسك الحج، وغير ذلك.
ـــ مالياً: من قبيل حقّها في المهر دون الزوج، وعدم إلزامها بالنفقة على الأسرة وإن كانت أغنى من زوجها، والاختلاف في بعض موارد الإرث وفي الديّة، وغير ذلك.
ــــ عملياً: من قبيل عدم تكليفها بالقتال في ساحات الحروب، وفي صلوات الجمعة والعيدين، فهي أمور اختيارية بالنسبة إليها.
ــــ ومن هنا فالمسألة ليست مسألة مساواة مطلقة بين الجنسين، بل مسألة عدالة بينهما، أي المساواة في ما تجب فيه المساواة، والتفريق فيما يجب فيه التفريق.
ــــ المساواة في غير مكانها ظُلم يجب أن يُرفع.. هل يصح أن يُكلَّف الولد الصغير بما يُكلّف به الشاب كامل القوى؟ هذا ذكر، وذاك ذكر... ولكنّ فارق السن يَفرض اختلافاً بينهما في التكليف.
ــــ كذلك الأمر بالنسبة إلى المرأة والرجل.. الاختلاف بينهما واضح، جسدياً ونفسياً، لا بمعنى أنّ هذا أفضل من ذاك، بل بمعنى أنّ لهذا الجنس خصائص ولذلك الجنس خصائص أخرى، لأنّ لكلٍّ وظيفته، ومتى ما عملنا خلاف ذلك، خالفنا الفطرة... ولمخالفة الفطرة نتائج سلبية.
ــــ الاختلاف التشريعي المرتبط بالاختلاف الوظيفي لا يعني سلب امتيازات عن المرأة كي نعتبره نوعاً من الاضطهاد، أو ضرباً من الحطّ من قيمتها كإنسانة، كي نطالب إثر ذلك بالمساواة.
ــــ عندما لا تُكلَّف المرأة شرعاً ــــ مهما كانت ثريّة ـــــ في أن تُنفِق إلزاماً على الأسرة، على خلاف الرجل... فهل هذا سلب امتياز؟ عندما لا تُلزَم بالعمل لكسب الرزق للإنفاق على نفسها وأسرتها، بل يكون ذلك اختيارياً لها لو أحبّت ذلك، فهل هذا سلب امتياز؟ وعندما لا تُكلَّف بالقتال في ساحات الحرب، فهل هذا سلب امتياز؟ وعندما تَنال حصّتها من الإرث ــــ وفي بعض الموارد ترث هي ولا يرث الرجل ــــ فهل هذا سلب امتياز؟
ــــ الحكم السلبي على مسألة أنّ البنت ترث نصف ما يرثه الولد، وأنّ ديّة المرأة أقلّ من ديّة الرجل فإنّ ذلك يتمّ كحكم على مفردة تشريعية بصورة انتقائية وبعيداً عن المنظومة التشريعية ككل.
ــــ في التشريع الإسلامي، ليست على المرأة التزامات مالية تجاه نفسها أو أسرتها، على خلاف الرجل، وهذا ما يؤثّر على التشريعات ذات العلاقة، كالإرث والديّة.
ـــ قد يقول البعض، ولكن الأمر مختلف اليوم، فالمرأة تُنفِق على الأسرة، بل لربما نجد الزوجة تتحمّل كامل الأعباء المالية للأسرة، دون الزوج العابث.. ألا يجب تبعاً لذلك أن نغيّر التشريعات؟
ــــ الجواب عن ذلك واضح، فالتشريعات لا تتحمّل مسؤولية الاستثناءات ولا تبعات التصرّفات الخاطئة للأفراد؛ فإذا وجدنا تكراراً لخرق الإشارة الضوئية الحمراء ضمن تنظيم المرور، هل نقوم بإلغاء تلك الإشارة أو رفع العقوبات عن الذين يخرقونها، أم نقوم بحملة توعوية لإرشاد قائدي المركبات لمنافع هذا التنظيم المروري، وخطورة مخالفته، وضرورة الالتزام بقواعده؟
ــــ إنني أعتقد أنّ على المدافعين عن المرأة الاتجاه نحو معالجة القضايا الحقيقية التي تعاني منها في موارد عديدة، وذلك من قبيل اضطهادها وممارسة العنف بحقّها، زوجةً كانت أم بنتاً أم أختاً، وموارد الاستغلال الجسدي في صناعة الإعلام والدعاية، وقضايا التحرّش الجنسي التي فضَحت العالم الغربي الذي يدّعي حفظه لكرامة المرأة واحترامه لحقوقها.. وإذا كانت لدى العالم الغربي والمتأثّرين به عُقدةٌ ناشئةٌ عن التطرّف الذكوري في ماضيه الفلسفي والعملي، والذي ترجَمه فيلسوف اليونان القديم أرسطو بمقولته أن المرأة أقل درجة من الرجل في الإنسانية، والفيلسوف الألماني نيتشه بقوله: (إذا ذهَبْتَ إلى المرأة فلا تنسَ السَّوط)، فإننا كمسلمين لا نعيش تلك العقدة من حيث المبدأ، بل نمتلك قاعدة قرآنية تنص على المساواة بين الرجل والمرأة في الإنسانية، ووصية نبويةً تقول: (اتّقوا الله في النساء، فإنّكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله).. وأما ما كان مخالفاً لذلك على المستوى التطبيقي من قبل المسلمين، فأمرٌ لا علاقة له بالمبدأ، بل بحاجة إلى معالجة أخرى سأتطرّق إليها في خطبة لاحقة بإذن الله تعالى.