خطبة الجمعة 21 جمادى الآخرة 1439: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: الحياة الزوجية والجمود العاطفي


ــــ (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21].
ــــ لِبيتِ الزوجية قداسةٌ كبرى عند الله، حتى عُبِّر عن الطلاق ــــ في بعض الأحاديث النبوية ــــ بأنه أمرٌ يَهتزّ له عرشُ الرحمن!
ــــ والقرآن الكريم يبيّن لنا أن العلاقة الزوجية تتضمن ميثاقاً غليظاً، ليس بالهيّن كسرُه ونَقضُه، قال تعالى: (وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) [النساء:21].
ـــ هناك أخلاقيات وآداب ومشاعر وأحاسيس تحيط بهذه العلاقة، فضلاً عن الحقوق والواجبات، ولابد من الحرص على ذلك الجانب، كما الحرص على جانب الحقوق والواجبات.
ـــــ أمّا مَن يريد أن يُدير بيتَ الزوجية على وقْع نظامِ الحقوق والواجبات فقط، فإنّما يحوّله إلى وجود ماديّ سَهل التفكيك، ويحكم عليه تدريجياً بالدمار.
ـــ الروح والعاطفة والمودة وانعكاساتها هي التي تفيض الحياة والحيوية على بيت الزوجية.
ــــ ومن هنا وجدنا الزهراء (ع) تَقنعُ بالحياة البسيطة، وتصبِرُ على التعب، ولا تَدخل في مساوماتِ الحقوقِ والواجبات مع زوجها كي تصل إلى ما تريد، كما نشهد في بعض الخلافات الزوجية اليوم.
ـــ وفي المقابل، وجدنا علياً (ع) ـــــ كما بيّنتُ في الخطبة الأولى ــــ مع كل انشغالاته وتعبه خارج المنزل، يُبادر لإعانة الزهراء (ع) في أعمال المنزل، بل ويؤثِر أن يتعَب هو لتستريح هي من العناء.
ـــ هل نظر علي (ع) ــــ وهو يساعد في الأعمال المنزلية ــــ إلى منظومة الحقوق والواجبات فوجد نفسه ملزماً بذلك؟ أم هل دخل في عملية مساومة معتبراً أنه بقَدَر ما تعُطيني أُعطيك؟ من البديهي أن المسألة لم تكن كذلك.. بل كان الأمر متعلّقاً بأحاسيسه وأخلاقه وأدبه.
ــــ أمام هذه الصورة المشرقة لبيت علي والزهراء (ع) كنموذج راق لبيت الزوجية تُطالعنا الإحصاءات الرسمية الصادرة عن هيئة المعلومات المدنية في الكويت أن سنة 2017 شهدت 5641 حالة طلاق، وهو ما يعادل 22 حالة يومياً!
ــــ ومن أهم عوامل تدمير بيت الزوجية في الحالات الماضية الجمود العاطفي الذي يخيّم على
العلاقة بين الزوجين.. حين يفشلان في الحفاظ على العاطفة الكبيرة التي كانت تجمعهما بقوة في بداية العلاقة، ولتتحول الحياة الزوجية إلى حركة ميكانيكية خالية من الروح والمشاعر.
ــــ هذا الجمود العاطفي يسهّل من عملية الانفصال أوّلاً، ثم الطلاق ثانياً، وذلك عند وقوع أبسط اختلاف بينهما أو عند بروز أبسط مشكلة.. وهذا ما يستدعي من الزوجين على طول الخط أن يمتلكا ترمومتراً حساساً يُطلق تنبيهاته حينما تبلغ المشاعر الحميمة بينهما درجات متدنّية وخطرة.
ــــ وعلى إثر هذه التنبيهات يتحرّك كل طرف بطريقته ليُضفي شيئاً من الدفء على العلاقة التي برُدَت، وباتت معرّضة للجمود نتيجة الانشغالات، وضغوطات العمل، وروتينية الحياة الزوجية.
ـــ الملفت للنظر أن 50% من المواطنين والمواطنات الذين وقع بينهم الطلاق قالوا: كنا نتمنى لو كان هناك من أصلح بيننا قبل أن يتم الطلاق، معبّرين عن ندمهم بسبب القرار المتسرع!
ــــ من المعلوم أن وزارة العدل تقوم بتقديم الاستشارات والدورات النفسية والاجتماعية للمقبلين على الزواج، والحديثي العهد به، وكذلك للحالات التي تعاني من مشاكل تهدّد استقرار الأسرة، كما تقدّم
الاستشارات بقانون الأحوال الشخصية، إلا أنّ المعطيات على أرض الواقع تبيّن أنّها غير كافية.
ــــ في استبانةٍ شملت 100 مواطن ومواطنة اتّضح أن 89% منهم اعتبروا أنّ الجهود الحكومية لتقليص معدّلات الطلاق غير كافية.
ـــ إذاً الأمر يحتاج إلى آليات جديدة، وقد شهدنا قَبل عَقد من الزمان نشاطاً أهلياً ملحوظاً في إقامة الدورات الأُسَريّة التوعويّة، سواء للمقبلين على الزواج، أو للمتزوجين فعلاً، بما يشمل قضايا شرعية وقانونية ونفسية واجتماعية وصحيّة متعددّة.
ــــ وللأسف فإنّ دوّامة العنف واللا استقرار التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الماضية أثّرت بشكل سلبي وواضح على مثل هذه الأنشطة والفعاليات.
ـــ بالطبع أنا لا أتحدّث عن الدورات التي يستهدف القائمون عليها المنفعة المادية، فالبعض يحوّل كل شيء إلى بزنس.. بل أتحدّث عن الدورات وورش العمل التطوّعيّة المنطلِقة من الإحساس بالمسؤولية الرسالية والوطنية والإنسانية والتي بدأنا نلحظ عودتها الخجولة، ونتمنّى أن تستمر وتنمو.
إنّ استقرارَ الأوضاعِ الأسريةِ والحياةِ الزوجيةِ يُحقِّقُ جانباً مهمّاً من استقرارِ الوطنِ وأمنِه وتنميتِه، بينما تُعدّ كثرةُ حالاتِ الطلاقِ في المجتمع مؤشِّراً غير صحّي يستدعي العناية والدراسة الجادّة. وإذ تُبيّنُ بعضُ الاستبانات والدراسات الميدانية أن عدداً ملحوظاً من حالات الطلاق كان بالإمكان تفاديها لو وَجد الزوجان مَن يرشدُهما ويُصلحُ بينهما، فإنّ هذا يتطلّب من الجهات الحكومية والأهلية بذلَ المزيد من الجهد والابتكار في أساليب الإصلاح الأسري، وذلك من قبيل:
1ـ تكثيف الدورات والبرامج ووِرَشِ العمل التوعوية من جهة، والساعية لإصلاح ذات البين من جهة أخرى، على أن لا تقتصر على الزوجين فقط، بل ولتشمل أولياء أمورهم أيضاً، وذلك بغرض التوعية بشأن تخفيف حالات التدخّل السلبي الصادرة عنهم، وكل ذلك يحتاج إلى التفكير في المحفِّزات المتنوِّعة التي يُمكن لها أن تشجّعَهم على المشاركة الفاعلة فيها.
2ـ تعيين الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين والقانونيين من أهل الخبرة، والمرشدين الدينيين من أهل التقوى والصلاح في مراكز الشرطة، وفي المراكز الخَدَمية داخل المناطق السكنية.
3ـ تفعيل وتطوير الخط الساخن للتواصل مع أصحاب الاختصاص أعلاه بما يُيَسّر من عملية التدخّل السريع لحل الأزمات الزوجية.
وأذكّر الأعزاء ختاماً بما جاء في وصية أمير المؤمنين (ع) لولديه الحسنين (ع) حيث قال: (أوصيكما، وجميعَ وُلدي وأهلي، ومَن بلَغه كتابي، بتقوى الله ونُظم أمرِكم، وصلاحِ ذاتِ بينِكم، فأنّي سمعتُ جدَّكما (ص) يقول: صَلاح ذات البين، أفضل من عامة الصلاة والصيام).