خطبة الجمعة 7 جمادى الآخرة 1439: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: التعامل مع سنن الحياة


(يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللّه مَعَ الصَّابِرِينَ) [سورة البقرة:153].
ــــ من طبيعة الحياة أنها لا تسير على وتيرة واحدة.. لا العسر يستمر على طول الخط: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) [الشرح:5-6]. ولا اليُسر الدائم هو عنوان الحياة.
ـــ وقد أراد الله للإنسان المؤمن أن يعرف طبيعة الحياة، والسنن والقوانين التي أودعها اللّه فيها، كي لا ينهار أمامها، ولا يعيش معها الصدمة التي لا يستطيع الخروج منها.
ــــ والمعرفة لوحدها لا تكفي، إذ لابد وأن يُتبعها الإنسان بخطوات عملية تمثّل حُسن التعامل مع هذه المتغيّرات السلبية والشديدة في الحياة.
ــــ وبحسب الآيات الشريفة السابقة، فإن حُسن التعامل يقوم على أساسين:
1ـ الصبر الإيجابي الذي يدعم إرادته ويقوّيها، ويبعث فيها روح التماسك، ويحقق من خلالها الصلابة في الموقف، لا الخنوع والاستسلام للأمر الواقع.
2ـ الارتباط بالله، وقمة هذا الارتباط وأوضح صوره: الصلاة التي تفتح آفاق العلاقة الرحبة بين الإنسان وبين خالقه، فيستمد من خلالها الطمأنينة والقوة، وتعمّق توكّله على العزيز الحكيم.
ـــ فلو عاش المصلّي المعنى العميق لقوله (الله أكبر)، ولو تلفّظ بتسبيحات الركوع والسجود عن وعي وإدارك، ولو استغل فرصة القنوت للدعاء بما يجيش في صدره، ويُدرك أنه يُخاطب العلي القدير على كل شيء، فلا شك وأنه سيعيش مثل هذه الحالة الشعورية بالطمأنينة والقوة وتكون رافداً لصبره.
ــــ البعض يحاول أن يصوّر الصلاة والارتباط بالله وكأنها وسيلة للهروب من الواقع، فينسى دوره ومسؤوليته في حركة الواقع، فتتخدر أحاسيسه، وتضعف تطلّعاته المندفعة نحو الحياة.
ـــ ولكن الواقع أن الله أراد للصلاة أن تكون مرفأ من المرافيء التي ينطلق من خلالها الإنسان في الحياة ليغيّر ما هو فساد إلى صلاح، وما هو باطل إلى حق، وما هو ضعيف إلى قوي.
ــــ وأما الذين يحوّلون الصلاة، وحضور المساجد، والإتيان بسائر العبادات إلى وسائل للتخدير، والهروب من الواقع، فهذا شأنهم، وهم بذلك لا يقدّمون الصورة الحقيقية للغاية من تشريعها.
ــــ ثم إن من عظمة الله ورأفته بعباده أن جَعل في العُسر رحمات دنيوية وأخروية... وهذه الرحمات تزداد كلما أحسن الإنسان التعامل مع الظرف العسير الذي يمرّ فيه.
ــــ وقد عاش أهل الكويت خلال الغزو والاحتلال الصدامي نموذجاً حياً لهذه الرحمات الإلهية النازلة حين أحسنوا التعامل مع الظرف العصيب الذي عايشوه، ثم أصبحت تلك الرحمات مسئوليات والتزامات تتطلّب إدامة حفظها وحُسن رعايتها.. فما الذي جرى؟ وإلى أين نسير؟ هذا ما يحتاج إلى شيء من التفصيل في الخطبة الثانية بإذن الله تعالى.