خطبة الجمعة 23 جمادى الأولى 1439: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: زيارة أمين الله

ــــ روى ابن قولويه القمي في كتابه المشهور (كامل الزيارات) عن مهدي بن صدقة الرِّقّي، قال: (حدثني علي بن موسى الرضا، قال: حدثني أبي موسى الكاظم، عن أبيه جعفر الصادق، قال: زار علي بن الحسين السجاد قبرَ أميرِ المؤمنين علي بن أبي طالب ووقف على القبر، فبكي ثم قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، السلام عليك يا أمينَ الله في أرضه وحجتَه على عباده.... إلخ).
ــــ وفي كتاب (فرحة الغري) للسيد ابن طاوس: (قال ابن أبي قرة في "مَزاره" بسنده عن أبي جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين عليه السلام، قال: كان أبي علي بن الحسين عليه السلام، قد اتخذ منزله ـــ مِن بعد مقتل أبيه الحسين بن علي عليه السلام ـــ بيتاً مِن شَعر، وأقام بالبادية، فلبث بها عدة سنين، كراهية الناس وملابستهم. وكان يصير من البادية بمقامه بها إلى العراق زائراً لأبيه وجده عليهما السلام، ولا يشعر بذلك مَن فعله. قال محمد بن علي: فخرج (ع) متوجهاً إلى العراق لزيارة أمير المؤمنين (ع) وأنا معه وليس معنا ذو روح إلا الناقتين، فلما انتهى إلى النجف من بلاد الكوفة وصار إلى مكان منه فبكى حتى اخضلت لحيته من دموعه ثم قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، السلام عليك يا أمينَ الله في أرضه وحجتَه على عباده.... إلخ).
ـــ هذه الزيارة تُعرَف بزيارة (أمين الله)، على اعتبار أن بداية الزيارة جاءت بلفظ (السلام عليك يا أمينَ الله في أرضه)، وقد رواها عدد من كبار ومشاهير العلماء من بينهم: الشيخ المفيد، والسيد ابن طاوس، ونصير الدين الطوسي، والعلامة المجلسي. كما رواها أيضاً الشيخ الطوسي في كتابه (مصباح المتهجد) تحت عنوان: (زيارة أمير المؤمنين (ع) يوم الغدير).
ــــ وقد نُقل عن العلامة المجلسي قوله: (إنَها أحسن الزّيارات مَتناً وسَنداً، وينبغي المُواظبة عليها في جَميع الرّوضات المقدّسة) مع ملاحظة خصوصية (السلام عليك يا أمير المؤمنين) للإمام علي(ع) فلا تقال عند غيره من الأئمة.
ــــ من خصائص نص هذه الزيارة والذي نفهم من خلاله أسلوب أهل البيت (ع) في الزيارة أنها تمزج بين السلام على الإمام وذكر فضائله، وبين التوجّه إلى الله عزوجل والدعاء، لا لحوائج الدنيا، بل أوّلاً والأهم لما له علاقة بالإيمان والعبادة ومصير الإنسان في الآخرة: (اللهم فاجعل نفسي مطمئنة بقدرك، راضية بقضائك، مولعة بذكرك ودعائك، محبة لصفوة أوليائك، شاكرة لفواضل نعمائك، ذاكرة لسوابغ آلائك، مشتاقة الى فرحة لقائك، متزودة التقوي ليوم جزائك، مفارقة لأخلاق أعدائك، مشغولة عن الدنيا بحمدك وثنائك).
ــــ في نص هذه الزيارة، وبعد المقطع السابق، قال الباقر(ع): (ثم وضع خدَّه على قبره وقال: اللهم، إنّ قلوب المخبتين إليك والهة...). وهذا يرسم معالم الارتباط بين الإنسان الموالي وبين ربه من جهة وبينه وبين إمامه من جهة أخرى، ففي حين يضع الإمام زين العابدين (ع) خده على قبر أمير المؤمنين (ع)، يتوجه بالدعاء إلى الله، فلا يهم أن يكون الثرى قد احتضن جسده الطاهر، لأنّ روحَه وكلماتِه ووصاياه وتعاليمَه دلّتني عليك وقرّبتني منك.
ــــ ثم يُكمل الإمام زين العابدين كلماته المفعمة بروحية الناظر إلى رحمة الله الواسعة: (اللهم، إنّ قلوب المخبتين إليك والهة، وسبل الراغبين إليك شارعة، وأعلام القاصدين إليك واضحة، وأفئدة العارفين منك فازعة، وأصوات الداعين إليك صاعدة، وأبوابَ الإجابة لهم مفتّحة، ودعوةَ مَن ناجاك مستجابة، وتوبة مَن أناب إليك مقبولة، وعَبرة مَن بكى مِن خوفك مرحومة... إلخ).
ـــ وهكذا نتعلم من مدرسة الزيارة لأهل البيت (ع) الإيمانَ والولاءَ، والرجاءَ والخوف، لنعيش الالتزام في حياتِنا إلى اللحظة التي نغادر فيها هذه الدنيا، فلا نعيش الندمَ بعدها، ولا نتجرّع غُصصَ الحسرة على ما فاتنا.