خطبة الجمعة 24 ربيع الآخر 1439: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: الزوجة المتنمّرة


ـــــ (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) [التحريم:1-2].
ــــ تحكي سورة التحريم واحدة من صور المعاناة ذات الطابع الاجتماعي التي واجهها رسول الله (ص)، وهي ذات طابع خاص، ولدائرة خاصة، لأنها ترتبط بالخصوصية الأُسَرية للنبي.
ــــ وعَرْضُها في القرآن الكريم وبهذه الصورة الممزوجة بالوعيد: (إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ، عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا) [التحريم:3-4] يُعطي انطباعاً بأن القضية ترَكت أثراً نفسياً عميقاً في مشاعر النبي (ص)، الأمر الذي استدعى التدخّل السماوي انتصاراً له، وحسماً للموقف.
ـــــ والذي يؤكّد هذه الصورة ما قام به النبي للتخلّص من الضغط الممارَس عليه، إذ أقسَم على ترك أمرٍ لم تذكر الآيات ماهيّتَه، ولكننا نعرف من السياق أنه كان في الأصل أمراً مباحاً له، فآثر
الامتناع عنه، والغاية بحسب تعبير الآية: (تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ).
ــــ في الأسبوع الماضي تحدثت عن الرجل المتفرعن في أسرته، والآثار السلبية الكثيرة التي قد تهدم هذا الكيان، أو تدمّر شخصيّة الأبناء.
ــــ وذكرتُ في حينه أنّ الشخصية الفرعونية المعروضة في القرآن ترَكت أثَرها على اللغة والثقافة العربية، فظهر مصطلح التفرعن... كذلك نجد مصطلح (التنمُّر) المشتق من النِّمر، وهو المفترس المعروف. جاء في المعاجم: (تنمَّرَ الشَّخصُ: نَمِر؛ غضِب وساء خلقُه، وصار كالنَّمِر الغاضب).
ــــ ولذا صار يُطلَق على المرأة العنيفة، وذات اللسان السليط مصطلح (المتنمِّرة)، وفي التعبير الشعبي الدارج عندنا (النِّسرة) اشتقاقاً من طائر النِّسر الجارح.
ــــ ومن لطيف ما قرأت قول الحكيم (بزرجمهر) أحد وزراء بلاد فارس: (صارعتُ الوحوشَ فصرعتُهم، وجالَدتُ الشجعانَ فغلبتُهم، فلم تُرهبني إلا المرأةُ السليطةُ اللسان).. وللعلامة الغزّالي في كتابه (إحياء علوم الدين) مقولة أخرى طريفة، قال: (الصبر على لسان النساء مما يُمتَحن به الأولياء).
ــــ في موروثنا الإسلامي هناك أحاديث عديدة تحاول من خلال الضَّرب على الوَتَر الأخروي أنْ تُهذِّب سلوك هذه النوعية من النساء خوفاً من سوء العاقبة، وذلك من قبيل ما رُوي عن الصادق أنه قال: (أيُّما امرأةٍ باتت وزوجُها عليها ساخطٌ في حَق، لم تُقبَل منها صلاة حتّى يَرضى عنها).
ــــ والقيد المذكور في هذا النص (في حق) مهم في فهم سائر النصوص، فليست المسألة مجرد غضب الزوج على زوجته مطلقاً، كي نقول أنَّ هذه النصوص ذكورية، بل في الحالات التي يكون فيها الحقّ معه.. فالله هو الحكَم العَدل، وهو لا ينتصر لطرفٍ ما بلحاظ جنسه.
ـــــ ومن جهة أخرى فإنّ هذه النصوص التي تتحدّث عن العواقب الأخرويّة الوخيمة ليست مقصورة على المرأة كي يُقال مرّة أخرى بأنها وُضِعَت انتصاراً للذَّكَر على الأنثى، إذ نجد على سبيل المثال الحديث النبوي التالي: (أيُّما امرأة آذت زوجَها بلسانها لم يَقبل الله منها صِرفاً ولا عدلاً، ولا حسنةً مِن عملها، حتّى ترضيَه.......... وكذلك الرّجل إذا كان لها ظالماً).
ــــ والمتتبع للأحاديث يجد أنّ هناك تأكيداً على حقِّ الزوج في نيل الاحترام على المستوى الشخصي، والتقدير لمقام القِوامة الذي اختاره الله له ، وربط ذلك بالرضا الإلهي عنها في الآخرة، ومنها الحديث النبوي التالي: (لا تؤدّي المرأةُ حقَّ الله عزّوجلّ، حتّى تؤدّي حقّ َزوجها).
ـــ وعنه (ص): (أيُّما امرأة لم تَرفَق بزوجها، وحمَلته على ما لا يقدر عليه، وما لا يُطيق، لم يُقبل منها حسنة، وتلقى الله وهو عليها غضبان)، وعن الإمام الصادق(ع) أنه قال: (أيُّما امرأة قالت لزوجها: ما رأيتُ قط مِن وجهِك خيراً، فقد حَبِط عملُها).
ــــ هذه الصور المذكورة في القرآن وفي الأحاديث صورٌ نمطيّة متكرِّرة تَظهر في سلوك المرأة المتنمِّرة بأشكال وألفاظ متغايرة، ومؤدّاها واحد، وهي قد تكون ناتجة عن:
1ـ سوء تربية في البيت الذي نشأَت فيه.
2ـ أو تأثُّراً وتطبُّعاً بسلوكِ أمِّها، فلا تعرف أسلوباً آخر للتعامل مع الزوج سوى ذلك.
3ـ أو نتيجة تسويلاتِ وتحريضاتِ صديقاتِها أو وسائل الإعلام والتواصل.
4ـ ولربما يساهم الزوج نفسُه في نفخ روحيّة التنمّر فيها، وذلك عندما تجد الزوجة أن زوجَها:
أـ ضعيفَ الشخصية، لا يملك ثقةً في نفسه، كثيرَ التردّد، قليلَ الهمّة، غيرَ مُبادر.
ب ـ أو قد تخلّى عن مسؤولياتِه وواجباته الأسرية الطبيعية، فهي التي تُنفِق، وهي التي تتسوَّق، وهي التي تُنجِز المعاملات، وهي التي تتابع الشؤون التعليمية والصحية لأبنائها.. إلخ.
ــــ وبهذا تجد الزوجة أنَّ مَن يُفتَرَض به أن تكون له القِوامة، وإدارة شؤون الأسرة بالأصالة، قد تخلّى عنها، لتقوم هي بتقمّص شخصية (سي السيّد).
ـــ وأيّاً كانت الأسباب، فإنّ عاقبةَ مخالفةِ الفِطرة السليمة، والتمرّد على نظام القِوامة في الأسرة والذي رسم معالمَه القرآنُ الكريم، وذلك من خلال الدور الذي تمارسُه الزوجةُ المتنمِّرة، لن تقفَ آثارُه السلبية عند حدِّ تهديد استمرارِ العلاقةِ الزوجية، بما يتناغم مع قول الله عزوجل لنبيِّه الكريم: (عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا)، بل وتتجاوز ذلك لتُلقي بظِلالِها على تربية الأبناء، وبناءِ شخصيّاتِهم، وعلى المستقبل الأخروي المُظلم الذي ينتظرُها حين تقف بين يدي الله عزوجل.