خطبة الجمعة 20 ربيع الأول 1439: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: القدس القدس.. وعض أصابع الندم

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ) نخاف من قوّتهم وسَطوتهم (فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ) الذين سارعوا فيهم (عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ، وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ)[سورة المائدة:51-53].
ــــ في سنة 1917 قدّمت بريطانيا ممثّلة بوزير خارجيتها (آرثر جيمس بلفور) وعداً بإنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين. واستغرق الأمر واحداً وثلاثين سنة إلى أن تحقق على الأرض، ففي سنة 1948 وفي نفس اليوم الذي انسحبت فيه بريطانيا من فلسطين، أعلن (بن غوريون) زعيم عصابة (الهاغاناه) الإرهابية عن قيام ما يسمى بدولة إسرائيل.
ــــ في ذلك اليوم كانت الضفة الغربية تحت يد الأردن، وغزة تحت يد مصر.. وبعد أقل من عشرين سنة، وفي سنة 1967 بالتحديد تم احتلال كامل الأراضي الفلسطينية.
ـــ ومنذ ثمانينيات القرن العشرين صار المعسكران الغربي والشرقي يدغدغان مشاعر العرب بحلم إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة، على أن تكون عاصمتها القدس.. وكان المطلوب منهم أوّلاً الاعتراف بإسرائيل كدولة لها الحق في الوجود، وعلى حدود ما قبل 1967.. هكذا قالوا.
ـــ وبدأ بعض العرب يتساقطون.. الواحد تلو الآخر.. اعتراف أعقبه اعتراف.. واتفاقية بعد اتفاقية.. ووعود بالسلام، وأمنيات بإقامة دولة فلسطين.. ووعود بشأن القدس.. ولم يتحقق بعد كل التنازلات سوى إدارة فلسطينية ــــ منزوعة السلاح والإرادة والاقتصاد ــــ لغزة وشيء يسير من الضفة الغربية.. لا دولة ولا هم يحزنون.
ــــ وفي سنة 1995 تكرّر مشهد وعد بلفور.. ولكن هذه المرّة بخصوص القدس على وجه التحديد. حيث وافق الكونغرس الأمريكي على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وبالتالي اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل.. وليشرب العرب من ماء البحر.
ـــ وفي المقابل عُرِض على الفلسطينيين والعرب أن يَقبلوا بفرصة العمر.. بلدة صغيرة على أطراف القدس اسمها (أبو ديس) تكون بديلاً عن القدس.. إما أبو ديس أو لا شيء!
ـــ وعلى الرغم من تأجيل تنفيذ قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، إلا أنه طوال السنوات التي تلت توقيع ما يُعرف بمعاهدات السلام، ومبادرات السلام، ومشاريع التطبيع وغيرها، استمر بناء المستوطنات الإسرائيلية على قدم وساق، وتم قضم المزيد من الأراضي من خريطة الضفة الغربية، وتغيير جغرافية الأرض وديموغرافيتها، واعتماد سياسة فرض الأمر الواقع على الأرض إلى أن جاءت الإدارة الأمريكية الحالية لتُمضي ذلك القرار المشؤوم.. وهذه المرة لم يستغرق الأمر واحداً وثلاثين سنة كما هو الحال مع وعد بلفور.. فهل سيعي العرب هذه المرة حقيقة أن لا شيء اسمه سلام مع إسرائيل؟ أم ستعلو بعضُ الأصوات المحتجّة، ثم سرعان ما يتم الرضوخ للأمر الواقع لا سيما مع الانشغال بالمشكلات الداخلية والبينية التي تتعمّد بعضُ الأطراف الدولية وأذنابُها المحلّيّة إغراقَنا وإلهاءنا بها؟ وحسناً فعلت وزارة الخارجية بدولة الكويت إذ أعلنت رفضَها القاطع لمثل هذه الخطوة، إلا أننا نتطلّع إلى الاستمرار في الموقف الصَّلب برفض الاعتراف بالكيان الصهيوني فضلاً عن التطبيع معه، فهي مسؤولية تاريخية وستُحاسبُنا الأجيال القادمة لو خَذَلْنا قضيتَنا العادلة.. ومن مسؤوليتنا كأفراد وأحزاب ونقابات ومؤسسات أن نوصل صوت الرفض والاستنكار والاحتجاج عالياً، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو غير ذلك من الوسائل المتاحة كصورة من صور النهي عن المنكر.. وهل من منكر أشد من الصمت عن مثل هذه الجريمة بحق القدس وبحق قضية العرب والمسلمين الأولى؟ ولنتذكر أننا ككويتيين من أولى الناس بتحمّل هذه المسؤولية، فقد ذُقنا مرارةَ الاحتلال، وخَبُرْنا ألمَ الظلم، ولا نريد أن نكون من (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ) لا نريد أن نكون من هؤلاء.. لماذا؟ لأننا لا نريد أن نعضَّ أصابع الندم حين لا ينفع الندم: (فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ).