شخصية أمير المؤمنين.. مقال للحاج عمار كاظم

شخصية علي أمير المؤمنين عليه السلام






عمار كاظم

(إلهي أفكر في عفوك فتهون علي خطيئتي ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم عليّ بليتى.. آه إن أنا قرأت في الصحف سيئةً أنا ناسيها وأنت محصيها، فتقول خذوه، فيا له من مأخوذ لا تُنجيه عشيرتُه ولا تنفعه قبيلتُه ولا يرحمه الملأ إذا أذن فيه بالنداء)...

صيحات علي أمير المؤمنين.. آهات علي ولي الله.. تجسد شخصيته عليه السلام حيث طُبعت شخصيته بشخصية المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في جميع مقوماته، عبادةً وفكراً ومواقف.. فعبادة علي عليه السلام عبادة الشاكرين لله تعالى.. عبادة تعبر عن الحب والشوق لله الواحد القهار.. فما أروع ما قاله عليه السلام (إلهي ما عبدتك خوفاً من عقابك، ولا طمعاً في ثوابك، ولكن وجودتك أهلاً للعبادة فعبدتك).

وقد صنف علي عليه السلام ألوان العبادة في كلمته الخالدة حيث بين (أن قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وأن قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وأن قوما عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار).

وكانت وصيته الخالدة واضحة وجليه في تعاهد أمر الصلاة وأدائها في أوقاتها وبيان أهميتها وأثرها في شخصية المسلم (تعاهدوا أمر الصلاة وحافظوا عليها واستكثروا فيها وتقربوا منها فإنها كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً. ألا تسمعون إلى جواب أهل النار حين سئلوا "ما سلككم في سقر؟ قالوا لم نك من المصلين" وإنها لتحت الذنوب حت الورق، وتطلقها أطلاق الربق، وشبهها رسول الله صلى عليه وآله وسلم بالحمة تكون على باب الرجل فهو يغتسل منها في اليوم والليلة خمس مرات فما عسى أن يبقي عليه من درن؟).

وكان الزهد مَعلماً بارزاً من معالم شخصية علي عليه السلام وسمة مميزة زيَّنه الله تعالى بها حيث الوسام الإلهي في الحديث عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لعلى عليه السلام (إن الله قد زينك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب منها هي زينة الأبرار عند الله الزهد في الدنيا فجعلك لا ترزأ ـ تعيب ـ من الدنيا ولا ترزأ الدنيا منك شيئاً، ووهبك حب المساكين فجعلك ترضى بهم أتباعاً ويرضون بك إماماً).

وحياة علي بن أبى طالب عليه السلام كلها جهاد في سبيل الله تعالى، فقد وقى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه، وفداه بوجوده عند مبيته على فراشه صلى الله عليه وآله وسلم ليلة الهجرة المباركة إلى حلقات متسلسلة من الجهاد العظيم حيث هو حامل لواء الإسلام في كل غزوات أخيه وابن عمه رسول الله وهو يفديه بنفسه وبكل ما يملك.. تشهد غزوة بدر المشاهد البطولية لعلي عليه السلام كما تشهد أحد بذلك، وفى الأحزاب حين بلغت القلوب الحناجر نهض عليه السلام بالأمر وهزم جيش الأحزاب.. وعلي عليه السلام اقتحم حصون خيبر وفتح الله على يديه حصون اليهود الرهيبة.

وعلي عليه السلام صاحب القلب الكبير الذي شمل الناس بحب غامر فبسط لهم العدل في حياتهم وأشعرهم بحقيقة الكرامة الإنسانية ووفر لهم غطاء من الأمن والاستقرار في جو الشعور بالمساواة والحياة الحرة الكريمة.. وهو صاحب الخلق الرفيع خلق التواضع في معاملة الناس، فكان قريباً سهلاً هيناً يلقى أبعد الناس وأقربهم بلا تصنع ولا تكلف، ويعايش مشاكل الضعفاء ويحب المساكين ويتودد للفقراء ويعظم أهل التقوى من الناس.

وللصفح عن المسيئ والحلم عند الإمام عليه السلام قصة.. معه فهو لا يعرف الغضب إلا حين تُنتهك للحق حرمته أو تتعدى حدود الله تعالى أو يعتدي على حقوق الأمة وتضر مصلحتها

ويروي لنا التاريخ الموقف الكبير للإمام عليه السلام حين أوصى أهل بيته أن يطعموا قاتله ويسقوه ويحسنوا إليه، فعن الإمام محمد الباقر عليه السلام: (إن على بن أبي طالب عليه السلام قال للحسن والحسين عليهما السلام احبسوا هذا الأسير وأطعموه واسقوه وأحسنوا إساره فإن عشت فأنا أولى بما صنع فيّ، إن شئت استقدت، وإن شئت صالحت، وإن مت فذلك إليكم فإن بدا لكم أن تقتلوه فلا تمثّلوا به).

هذا هو علي عليه السلام.. علي الذي ضحى بكل ما يملك ضحى بوجوده عاش حياته من أجل الإسلام فانتماؤنا له يفرض علينا كما عبر عنه آية الله العظمي السيد محمد حسين فضل الله (إن انتماءنا لعلي عليه السلام يفرض علينا أن نكون الصادقين، أن نكون الأمناء، وأن نكون المحقين الذي يتحركون مع أهل الحق. فعلي عليه السلام ليس كلمة نهتف بها، بل هو موقف ورسالة لابد أن نلتزمها ونتبعها، وعلى هذا الأساس فإذا أردنا أن نقف مع علي عليه السلام فلا بد أن نواجه الباطل كله كما واجه الباطل كله).