خطبة الجمعة 13 ربيع الأول 1439: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: من لوازم الأخوّة الإيمانية

ـــــ نقل العياشي في تفسيره موقفاً للإمام الصادق (ع) يعالج من خلاله خللاً في أسلوب تعامل المؤمنين مع بعضهم البعض. وقبل أن أنقل لكم الخبر لابد من مقدّمة.
ـــ للأخوّة الإيمانية حقوق وواجبات وأخلاقيات وآداب:
1ـ فهي علاقة مميزة وذات أهمية كبيرة في البناء الاجتماعي في الإسلام.
2ـ ولذا فهي تستدعي التضحية والإيثار من أجل المحافظة عليها واستحكامها.
3ـ كما وتستدعي التغاضي عن بعض الأخطاء والهفوات التي قد تصدر عن هذا الطرف أو ذاك.
4ـ ولربما يكون للظروف العصيبة التي يمرّ بها المجتمع الإيماني تأثيرٌ أيضاً في استدعاء كل ما يحقق التكاتف والتلاحم، وتجنّب كل ما يمكن أن يثير الفرقة والتنازع. وقد عاش شيعة أهل البيت في بعض فترات إمامة الصادق وضعاً متأزّماً من خلال موجة الاعتقالات والإعدامات التي طالتهم.
ـــ كل ما سبق يجعلنا نفهم موقف الإمام الصادق (ع) من هذا الرجل والحساسية العالية التي تعامل بها مع الموضوع.
ـــ قال الصادق (ع) لرجل شكاه بعضُ إخوانه: (ما لأخيك فلان يشكوك؟ فقال: أيشكوني أن استقصيت حقي؟!) أي أن كل ما قمت به هو أنني حاسبته على التفاصيلبما في ذلك الصغيرة منها، ولم أتجاوز عن شيء منها، فهذا حقّي (قال: فجلس مُغضَباً ثم قال: كأنَّك إذا استقصيت لَم تُسيء؟!) أي هل تتصوّر أن استقصاءك لا يُعدّ إساءة إليه وإلى العلاقة بينكما وإلى حق الأخوّة الإيمانية؟ (أ رأيت ما حكى الله تبارك وتعالى: (وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ)؟ أخافوا أن يجور عليهم الله؟ لا والله ما خافوا إلا الاستقصاء، فسمّاه الله سوء الحساب. فمن استقصى فقد أساء).
ــــ هناك عدة أطراف يمكنها أن تؤثّر بشكل سلبي على العلاقة الأخوية بين المؤمنين:
1. الشيطان، فهو لا يرتاح إلى نماء العلاقات الأخوية، قال تعالى: (وقُلْ لعبادي يقولوا الَّتي هيَ أحسنُ إنَّ الشَّيطانَ يَنزَغُ بينَهُم إنَّ الشَّيطانَ كان للإنسانِ عدوّاً مُبيناً) [الإسراء:53]. وأصل النزغ: الطعن السريع، واستُعمل في الآية في الإفساد السريع الأثر. كأنها طعنات سريعة يوجّهها الشيطان إلى العلاقات الأخوية فيجعلها تنزف وتنزف إلى أن تفقد كل طاقتها وحيويّتها وتموت وتزول.
ــــ فللشيطان دور تحريضي على النزاعات والخلافات والخصومات، وهو يتحيّن وقوع شيء من الخلاف أو الجفاء بينهم لينفخ في نار الكراهية وللدفع نحو إساءة الظن، وإثارة الذكريات السلبية ومراكمتها، والإلهاء عن إيجابيات تلك العلاقات وذكرياتها الجميلة، وما إلى ذلك من أساليب كثيرة وخفيّة، وحيل عديدة، تؤدّي في النهاية إلى إفساد العلاقات وتهييج الشر.
2. ومثل شيطان الجن هناك شيطان الإنس الذي قد يدخل على الخط، من خلال النميمة، أو الغيبة، أو بدافع الحسد، أو بدافع العداء لأحد الطرفين، أو للمؤمنين عموماً، أو غير ذلك.
3. النفس البشرية التي قد تدفع بأنانيّتها، وسوء سريرتها، أو بجهلها، ولغياب الحكمة والبصيرة إلى إيقاد الخلافات، واستحكام النزاعات.
ـــ وحيث أن إقامة العلاقات الأخوية، واستحكامها، ونماءها، وتأطيرها بأطر المحبّة والإيثار والتعاون، يمثّل غاية من غايات الإسلام، ولوجود تلك المؤثّرات السلبية التي أشرنا إليها، لذا نجد الإمام الصادق(ع) ينبّه في عدة روايات على دقائق الأمور المرتبطة بالعلاقات الأخوية، وأخلاقياتها، وآدابها، ونظام الحقوق والواجبات المتعلّقة بها، وضرورة مراعاتها رغبةً في استحكام تلك العلاقات، وتجنّباً لما يمكن أن يعكِّر صفوَها. والحديث الذي بدأت به يعد نموذجاً منها.
ـــــ لاحظ مدى تحسس الإمام من سوء تصرّف الشخص المُلام.. فعلى الرغم من أنه قال أنه صاحب حق، إلا أن الإمام نبّهه إلى أن هذا النوع من التعامل لربما يؤدّي إلى إفساد العلاقات الأخوية.
ـــ إن العلاقة الأخويّة أثمن بمراتب من بعض الماديات، وهي تستحق أن يتغاضى من أجلها الإنسان عن بعض التفاصيل أو الأخطاء أو الهفوات التي يمكن أن تكون المحاسبة الاستقصائية عليها منفذاً من منافذ الشيطان لينزغ بين المؤمنين ويُفسِد ما بينهما من وُدٍّ وصفاء.