خطبة الجمعة 28 صفر 1439: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: قالوا أساطير الأولين

ـــــ (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا، وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا) [الفرقان:4-6].
ــــ كان القرآن الكريم بالنسبة إلى مشركي قريش شيئاً مُبهِراً على مستوى المضمون، ففي كل مرة يفاجئهم بمعارف وأخبارٍ يعود بعضها إلى آلاف السنين، وما عرفوا تفاصيلها الدقيقة من قبل، وما كانت من واقع بيئتهم، وما كانت لديهم مدارس تَطرح أو تُعلّم ذلك.
ـــ كما كانت طبيعة أطروحات القرآن، وحكمتُه، وخطاباتُه مما لم يعهدوه في ثقافتهم الدارجة.
ـــ وهكذا وقفوا مدهوشين أمام الأسلوب والمستوى البياني للقرآن، مما لم يعهدوه لا في قصائدهم، ولا في قص القصّاصين، ولا فيما سمعوه من الأحبار والرهبان، ولا في أحاديثهم الدارجة.
ــــ أمام هذه الحقائق، وعجزهم عن مواجهة القرآن أو الإتيان بمثيل له، وسخافة نسبة الجنون والسحر للنبي (ص)، كان لابد لمشركي قريش من مخرج يبرّرون من خلاله موقفهم الرافض والصِّدَامي.
ــــ من هنا انصبّت محاولاتهم للتخفف من هذا الضغط الشديد باتّهام النبي في مصدر القرآن، حيث:
1ـ ادّعوا أن نسبة القرآن إلى الله من أسوأ الكذب: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا إِفْكٌ).
2ـ ولم يكتفوا بذلك بل وادّعوا أن هذا الكذب متعمَّد: (افْتَرَاهُ).. فالافتراء هو تعمد الكذب.
3ـ واعتبروا أن الناتج ليس فردياً، بل هو بمجهود جماعي: (وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ).
ــــ ولكنهم كانوا يشهدون أن النبي (ص) في تلك الفترة ما كان يلتقي بأحد على الدوام ليأخذ عنه ما يتلو عليهم من القرآن، كما أنه كان لا يقرأ من الكتب، ومَن حوله من المسلمين هم أبناء نفس البيئة، ولا يملكون شيئاً يُذكَر من المعرفة.. فمن أين يأتي كل يوم بشيء جديد؟
ــــ لذا من أجل إحكام تهمتهم، أضافوا الصورة التالية:
4ـــ قالوا لقد استعان في الماضي بمن يكتب له تلك المعلومات والأفكار والأساطير: (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا)، ونلاحظ استعمال كلمة (اكْتَتَبَهَا) وليس (كتبها)، لأن الاكتتاب يعطي معنى الاستعانة بمن يَكتب له.
5ـــ وما فائدة ما كُتب له وهم يعلمون أنه لا يقرأ؟ قالوا: (فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) أي أنه وظَّف مَن يعرف القراءة ليقرأ له تلك الكتب التي تراكمت لديه عبر الزمن، في الصباح والمساء، فيحفظ النبي (ص) ما يسمع، ثم يقدّمها للناس على أنها كلام الله!
ـــ هذه الاتهامات تُقدَّم اليوم لشبابنا من جديد، على لسان الملحدين واللادينيين والربوبيين، بعبارات جديدة، وبصياغات مختلفة، ولكن النتيجة واحدة. ومنشأ أكثرِها هو ما طرحه المستشرقون خلال القرون الثلاثة الماضية. فـــ (ريتشارد بل) مؤلف كتاب (مقدمة القرآن) على سبيل المثال قال: (بعضُ قصص العقاب كقصص عاد وثمود مستمد من مصادر عربية، ولكن الجانب الأكبر من المادة التي استعملها محمد ليفسر تعاليمه ويدعمها قد استُمد مِن مصادر يهودية ونصرانية، وقد كانت فرصته في المدينة للتعرف على ما في العهد القديم أفضل من وضعه السابق في مكة، حيث كان على اتصال بالجاليات اليهودية في المدينة). فكيف هو الرد القرآني على هذه المزاعم الباطلة القديمة منها والحديثة؟ سأجيب على هذا التساؤل في الخطبة الثانية بإذن الله تعالى.