خطبة الجمعة 21 صفر 1439: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: مناهج التربية الإسلامية.. وقفة أخرى


ـــ ذكرت في الأسبوع الماضي في تعليقي على مشروع (تحصين) أن مشاركة وزارة التربية في هذا المشروع لن تكون ناجحة بالصورة المطلوبة ما دامت الوزارة تكابر وتصر على خلوّ مناهج التربية الإسلامية المعدّة مِن قبلها مِن صور التطرف والغلو والتحريض والابتعاد عن الحقائق العلمية.
ــــ وسأقدِّم في هذه الخطبة بعض الأمثلة ضمن العناوين التالية:
1ـ التعارض مع العلم الحديث:
ـ الصف 9 ج1 ص 25: (عَنْ أَبِي ذَر (رض) أَنَّ النَّبِيَّ (ص) قَالَ، يَوْماً: "أَتَدْرُونَ أَيْنَ تَذْهَبُ هذِهِ الشَّمْسُ؟" قَالُوا: اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "إِنَّ هذِهِ تَجْرِي حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَىٰ مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَخِرُّ سَاجِدَةً. فَلاَ تَزَالُ كَذٰلِكَ حَتَّى يُقَالَ لَهَا: ارْتَفِعِي، ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَرْجِعُ. فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَطْلعِهَا، ثُمَّ تَجْرِي حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَخِرُّ سَاجِدَةً").
ـــ هل يعقل هذا في زمن اكتُشفت فيه حركة الأرض حول الشمس لا عكس ذلك؟
ــــ وهل نريد تأكيد التصادم بين العلم والدين؟
ــــ ولنفرض أن الحديث جاء بلغة رمزية وأنه بحاجة إلى تأويل، فلماذا لم يذكر هذا التأويل في الكتاب؟ على الرغم من أنني على ثقة بأن من وضع الحديث في الكتاب يؤمن به على ظاهره.
ـــ الصف11 ج1 ص33: حول علاج السِّحر، ولا أدري ما حاجة الطلاب لتعلم علاج السحر: (استعمال الأدوية المباحة التي يعرفها الأطباء وأهل العلم مثل تناول سبع تمرات من عجوة صبيحة كل يوم وهي تقي من السحر قبل وقوعه، وتنفع في حَلِّه بعد وقوعه. قال رسول الله (ص): [مَن اصطبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر]).
ــــ هل فعلاً صدر هذا الكلام عن النبي؟
ـــ وأسأل الأطباء: هل فعلاً تناول سبع تمرات عجوة تعالج أو تقي من السم؟ وأي أنواعه؟
ــــ أين البحوث الطبية التي تثبت ذلك؟ ولماذا لا يطبق هذا في مستشفياتنا؟
ـــ ولماذا لا تأخذ كلية الطب في جامعة الكويت على عاتقها تعليم هذه الطريقة العلاجية البسيطة، فكيلو العجوة لا يتجاوز 7 دنانير...
ــ الصف 12 ج2 ص51 حول مراحل خلق الإنسان: (وبعد مرور مائة وعشرين يوماً يَسأل الملائكة المكلَّفون بالأجنة ربَّ العزة والجلال عن جنس الجنين وعن خَلقه أهو تام أم ناقص، وعن أجله، وعن عدد الأجنَّة في الرحم، وعن رزقه، وعن السعادة والشقاء؟ ويظهر بعدها الخلق، وتظهر ملامح الجنين من اليدين والرجلين وبقية الجوارح والأجهزة المكوِّنة للجسم).
ـــ هل يكون الجنين قابلاً للانقسام إلى عدة أجنة بعد 120 يوماً كي يسأل الملائكة عن ذلك؟
ــــ كما أن مراجعة صور نمو الجنين تؤكد ظهور ملامح الجنين من اليدين والرجلين وبقية الجوارح قبل 120 يوماً.
2ــــ عرض تفاصيل بعض المسائل الفقهية والعقدية الخلافية بصورة متشنّجة وتكفيرية:
ــــ الصف 10 ج2 ص32 حديث عن التبرك وزيارة المراقد والتمائم وأمثال ذلك، وأنها من صور الشرك الأكبر. وأنه بذلك (يخرج صاحبه من الإسلام... يوجِب المعاداة وقطع الموالاة فلا يجوز موالاته مهما كانت قرابته). ومن المقصود والمستهدف بهذا التكفير عادة؟ الشيعة.
ـــ في كتاب الصف 6 ج2 ص20: (اقرَأ عن أحد علماء الكويت البارزين الذين ساهموا في نشر عقيدة التوحيد)!! لا أدري هل كان أهل الكويت من مشركي قريش مثلاً؟ وما هي الرسالة هنا؟
ـــ وقد ذكرتُ أمثلةً أخرى في أكثر من مناسبة ولا داعي للتكرار، ومواردها مبثوثة بكثرة في كتب المراحل الدراسية المختلفة.
3ـ ذِكر بعض القضايا غير الضرورية بألفاظ تخدش الحياء: والكتاب يُدرَّس للذكور والإناث.
ـــ الصف9 ج1 ص29: (يُحشَر الناس حفاة الأقدام عراة لا كسوة عليهم، غُرلاً غيرَ مختونين).
ـــ وفي كتاب الصف 3 ج1 ص17: حول النبي إبراهيم: (وهو أول من يُكسى يوم القيامة).
ـــ على فرض صحة الفكرة، هل التلاميذ بحاجة إلى هذه المعلومة كي تقدَّم لهم؟
ــــ ثم ألن يجرّ هذا تساؤلات لدى الطلاب عن حال الشخصيات المقدسة في الإسلام يوم القيامة؟ فهل يراد إيصال هذا التصور للتلاميذ المراهقين؟ وما القيمة التربوية في ذلك؟
ـــــ هل هذا الوصف ضروري إلى هذا الحد بحيث لا نراعي فيه الذوق؟ وأين أنتم من أدب القرآن؟
4ـ التحريض على الدولة والمسؤولين:
ـــ الصف 8 ق2 ص20 من علامات الساعة وتحت عنوان (علو اللئام والحمقى): (قال رسول الله(ص): لا تقوم الساعة حتى يكون أسعدَ الناس بالدنيا لُكع ابن لُكع) ثم تعليق جاء فيه: (وتلك علامة بادية للعيان في هذا العصر، ولا تزال تظهر سَنَة بعد أخرى، إذ أصبحت الأمور المهمة تُسنَد إلى غير أهلها فيُتَرفون ويَسعدون بها ويتطاولون على الناس مستندين إلى ما وصلوا إليه من مناصب رفيعة لم يتقلّدوها بعلم أو كفاءة، بل بطرق ملتوية وأساليب ليست مشروعة).
ـــــ في من هذا الطعن بالتحديد؟ أليست هذه رسالة للتلاميذ ضد المسؤولين في البلد؟
ــــ والمسؤول: لُكَع ابن لُكع.. يعني الشتيمة تجاوزت الشخص المسؤول لتصل إلى أبيه أيضاً.
5ـــ تقديم أحكام شرعية ومفاهيم تربوية غير دقيقة:
ـــ الأمثلة كثيرة جداً، ومنها ما جاء في كتاب الصف 11 ج2 ص17 حول الاستهزاء بالدين حيث اعتُبر أن المستهزيء مازحاً أو هازلاً مرتد عن الإسلام، وحكم المرتد هو القتل!
ــــ وأن الاستهزاء باللحية والسواك بمثابة رِدّة عن الدين!! وحكم المرتد بالطبع هو القتل!
ـــ وذُكر في كتاب الصف 7 ج2 ص136 أنَّ مِن جملة موارد جواز الكذب: أن يكذب الرجل على زوجته، والزوجة على زوجها.
ــــ هل هذه هي التربية المنشودة لزوج أو زوجة المستقبل؟ أن تكون حياتهم في المستقبل قائمة على الكذب والنفاق وانعدام الثقة؟!
6ـ أخطاء تاريخية بالجملة:
ــــ في كتاب الصف 11 ج2 ص78 حول تسمية أهل البيت أبناءهم باسم أبي بكر: (أبوبكر بن علي ـ أبوبكر بن الحسن بن علي ـ أبوبكر عبدالله بن جعفر، وقد استشهد الثلاثة مع الحسين رضوان الله عليهم أجمعين. أبوبكر علي زين العابدين ـ أبو بكر بن موسى الكاظم ـ أبوبكر بن علي الرضا ـ أبوبكر بن الحسن المثنى).
ـــ لم تكن كنية عبدالله بن جعفر (أبابكر)، ولم يستشهد مع الإمام الحسين في كربلاء ــ ولم تكن كنية الإمام علي زين العابدين (أبابكر) ــ ولم يكن لموسى الكاظم ولد باسم أبي بكر، ولا لعلي الرضا الذي لم يكن له سوى ولد اسمه محمد، وكنيته (أبوجعفر) ـــ ولا للحسن المثنى ولد باسم أبوبكر.
ــــ وفي ص 116: (زين العابدين بن علي رضي الله عنه).. وهذا خطأ فادح يعلمه أبسط الناس.
7ـ إحالات إلى مواقع متعاطفة مع الإرهابيين:
ـــ في كتاب الصف 11 ج2 ص50 يُطلب من التلميذ: (تصفح موقع www.55a.net).
ـــ أوّلاً، هذا الموقع تابع لشخصية متَّهمة بالإرهاب.
ــــ وثانياً، عندما تفتح الموقع الذي تحوّل لاحقاً إلى (quran-m.com) ستجد مثلاً: (قصة إسلام حارس سجن غوانتانامو)! فهل يخفى على الوزارة ما سجن غوانتنامو ومن كان مسجوناً فيه؟!
ـــ ثم هل تضمن الوزارة محتويات الموقع في المستقبل؟
8ـــ أكثر مضمون الكتب الدراسية عبارة عن قص ولصق من مواقع من الإنترنت، ومن كتب قديمة كُتبت بلغة عفى عليها الزمن، أو أنها لا تناسب المراحل العمرية المخاطَبة في المناهج الدراسية.
ـــ ويمكن لأيٍّ من الأعزاء وببحث سريع من خلال محرّك قوقل أن يكتشف ذلك.
ــــ ومن المعلوم أن تأليف الكتاب المدرسي لا يمكن أن يتم بهذه الصورة.. وإذا كان القائمون عليها متكاسلين، أو لا يمتلكون الإمكانات اللازمة للقيام بذلك وفق الأصول العلمية، فهل خَليت الكويت من قامات علمية قادرة على القيام بهذا الدور؟
ــــ نعود ونؤكِّد من جديد أن وزارة التربية معنيّة في ضمن أولويّاتها القصوى أن تسعى لتعديل مناهج التربية الإسلامية، وقد وُفِّقَت قبل بضع سنوات في تعديل منهج الصفّين الأوّل والثاني الابتدائي، فخرج الكتابان بصورةٍ بهيّة تختلف تماماً عن المراحل التي تليها، ولا أدري ما هي الضغوط التي مورست لمنع تكملة مشروع التطوير والتعديل هذا. وأنا أدعو كل من يسمع كلامي أن يقارن هذين الكتابين بكتاب الصف الثالث ليشهد الفارق الكبير في المحتوى واللغة وأسلوب العرض. الأجواء الإقليمية ملبَّدة بالغيوم، والبلد يختنق بلغة الكراهية والشحن النفسي، ولا نريد لأبنائنا أن يحملوا هذه النفسيات المعقَّدة تجاه شركائهم في الوطن، بل ولا تجاه الإنسان أينما كان، بل نريد لهم أن يتلقّوا التربية الإسلامية القائمة على روحية المحبَّة والتسامح والمفهوم القرآني الأصيل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).