أدنى الشرك.. مقال للشيخ علي حسن غلوم

عن الإمام محمد الباقر عليه السلام أنه قال: (أدنى الشرك أن يبتدع الرجل رأياً، فيحبُّ عليه ويُبغض عليه).. استوقفتني هذه الرواية مفكّراً في دلالتها.. ماذا يريد الإمام عليه السلام أن يقول من خلالها؟ وحلّلت النص من خلال الخطوات التالية:

بين الإيمان والشرك:

من الإيمان ما هو كامل، يتوجه من خلاله الإنسان إلى الله وحده، وفي المقابل هناك شرك كامل يتعلق من خلاله الإنسان بغير الله سبحانه في كل شيء، ولا يجعل لله إليه سبيلاً.. وبينهما مراتب ومقامات.

فإذا كان الإنسان مؤمناً فقد يشوب إيمانَه شركٌ خفي، وهذا ما ذكره صاحب تفسير الميزان العلامة الطباطبائي في تفسيره للآية {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ} يوسف:106. قال رحمه الله: (والمراد بالشرك في الآية بعض مراتبه الذي يجامع بعض مراتب الإيمان، وهو المسمى باصطلاح فن الأخلاق بالشرك الخفي). ثم جاء العلامة الطباطبائي بثلاثة نماذج للشرك الخفي:



النموذج الأول:



عن الإمام محمد الباقر عليه السلام في خصوص الآية السابقة: (قال شرك طاعة و ليس شرك عبادة، و المعاصي التي يرتكبون فهي شرك طاعة أطاعوا فيها الشيطان فأشركوا بالله الطاعة لغيره و ليس بإشراك عبادة أن يعبدوا غير الله). وبعبارة أخرى هناك شرك نابع عن إيمان بالشرك وعن علم وعمد، وهناك شرك عملي ناشئ عن معصية أو عن جهل في ذات الوقت الذي يعتقد فيه الإنسان بوحدانية الله سبحانه.



النموذج الثاني:



عن مالك بن عطية عن أبي عبد الله عليه السلام حول الآية السابقة قال: (هو الرجل يقول: لولا فلان لهلكت، ولولا فلان لأصبت كذا وكذا، ولضاع عيالي. ألا ترى أنه جعل لله شريكاً في ملكه، يرزقه ويدفع عنه؟ قال: قلت: فيقول: لولا أنْ منّ الله علي بفلان لهلكت؟ قال: نعم، لا بأس بهذا).



النموذج الثالث:



عن زرارة بن أعين قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}؟ قال: (مِن ذلك قول الرجل: لا وحياتك). قال العلامة الطباطبائي رحمه الله: (يعني القسم بغير الله لما فيه من تعظيمه بما لا يستحقه بذاته).



عودة إلى النص:



وبالعودة إلى النص محل البحث حول أدنى الشرك، ستكون الصورة التي قدّمها الإمام عليه السلام هي صورة الإنسان الذي يبتدع شيئاً ويجعل له خصوصية في التولي والتبري والحب والبغض على خلاف المعايير الإلهية، فهو في هذه الحالة لم يُخلص في مشاعره وفي مواقفه لله، ولم يُقمها على الأسس الإلهية، وعليه يكون نوعاً من الشرك، وهو شرك عملي وخفي، لأننا أشرنا فيما سبق أن من صور الشرك: عدم الإخلاص في النية أو في العمل الذي يقدّمه الإنسان.



أمثلة من واقع الحياة:



فعلى المستوى السياسي والحركي قد يبتدع الإنسان كياناً سياسياً أو حركياً لتحقيق نتيجةٍ ما على الأرض، وقد يكون مخلصاً لله في تأسيسه وأهدافه، ولكنه بالتدريج ونتيجة المواجهات والصراعات يجعل الانتماء إليه وتأييده أو معارضته معياراً في تولّيه وتبرّيه، وفي حبه وبغضه، وفي مناصرته ومعاداته، بغض النظر عن أية قيمة إيمانية أو أخلاقية قد تجمعهما.



على المستوى الفكري:



وهكذا الأمر على المستوى الفكري الديني، فقد يجتهد إنسان في بعض القضايا ويصل إلى استنتاجات، وهي ظنية محتملة الصحة، لا يقينية، ولكنه يتعصب لرأيه إلى درجة يجعل التفاعل الإيجابي معها أو السلبي معياراً في التولي والتبري، والحب والبغض.

بل وفي واقعنا أمثلة عديدة نعيش فيها التعصب والتولي والتبرّي والحب والبغض على أسس لم ينزل الله بها من سلطان.. فعلى مستوى اختيار مراجع التقليد هناك تولّي وتبرّي، وحب وبغض.. وعلى مستوى تشجيع الأندية هناك تولّي وتبرّي، وحب وبغض.. وعلى مستوى الانتماء القومي أوالعرقي أوالوطني وحتى المناطقي هناك تولّي وتبرّي، وحب وبغض.. وفي المقابل فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أوثق عُرى الإيمان: الحب في الله والبغض في الله، وتوالي أولياء الله والتبري من أعداء الله).


تاريخ النشر 11/07/2009 جريدة الوطن الكويتية