خطبة الجمعة 7 صفَر 1439: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: وإلا... فمصيبتك أعظم


في ذكرى استشهاد الإمام الحسن المجتبى (ع) نتوقف مع حكمة رواها عنه الأمير ورّام في كتابه (تنبيه الخواطر ونزهة النواظر) أو (مجموعة ورّام)، وورام بن أبي فراس الحلّي من نسل مالك الأشتر، كان قائداً عسكرياً، ثم انصرف إلى العلم وغدا من العلماء الزهاد الممدوحين (ت605هـ).
ــــ في الخبر الذي رواه أن الإمام (ع) عزّى رجلاً مات بعضُ ذويه فقال له: (إنْ كانت المصيبةُ أحدثَت لك موعظةً، وكسَّبتك أجراً، فهو، وإلّا فمصيبتُك في نفسِك أعظمُ من مصيبتِك في ميِّتِك).
ــــ من الطبيعي أن يحزن الإنسان عند فقد العزيز، وأن يبكي.. بكى آدمُ.. وبكى مَن جاء بعده.. وهكذا بكى رسول الله (ص) عند فقدِ ابنه الرضيع إبراهيم.. وبكى حين أخبره الوحي أن الحسين سبطَه العزيز على قلبِه سيُقتَل.. وبكى مَن جاء بعدَ رسول الله.. هذه هي طبيعة الإنسان.
ــــ والبكاء في نفسه غيرُ منافٍ للصبر، ولا للرضا بالقضاء.. نعم، بعضُ الأمور المصاحبة له قد تُمثِّل تعبيراً عن الجزع وعدم الرضا بقضاء الله وقدَره، وقد مُثِّل لذلك في الأحاديث الشريفة بشقِّ الثوب، ولطم الوجه وخدشه، والصراخ بالويل والعويل، وهي أمور منهيٌّ عنها في الشرع.
ـــ فأين الخطأ؟ .. الخطأ أن يحبس الإنسان هذا الحدث في إطار المشاعر، ولا يحوّله إلى فكرة عملية تغيِّرُ واقعَه إلى الأفضل.. بأن يقترب إلى الله أكثر.. وبأنْ يعود إلى إنسانيتِه أكثر.
ــــ هذا ما نبّه عليه الإمام المجتبى (ع) وكأنه يقول: إنْ لم تتّعِظ، فإنّ نفسَك أولى بالبكاء عليها مِن بكائك على فقيدك.
ــــ ابكِ على نفسِك إنْ لم تتعظ باللحظات الأليمة التي عايشتَها وشاهدتَ فيها الحقيقةَ بأمِّ عينك.. حقيقةَ أنّ الموت لك بالمرصاد.. وأنّه لا يَبقى لك مِن هذه الدنيا إلا إيمانُك وعملُك الصالح.
ـــ لا البناء الفاخر سيبقى لك.. ولا السيارة الفارهة.. ولا الثروة المتراكمة.. ولا آلاف المشجّعين والمصفّقين.. ولا المنصِب والكرسي الذي قاتلتَ من أجل أن تحصل عليه.. لن يبقى لك شيء من هذا عندما تواجِهُ لحظةَ الحقيقة. فهل ستكون لحظةُ مصابِك بعزيزِك هي لحظةُ التغيير في حياتك.. أم ستغلقُ ملفَّ المصيبةِ بعد أن اكتفيتَ بملئه بآهات الأحزان، لتعود إلى سيرتِك الأولى؟ اللهم بصّرنا بأمور ديننا ووفّقنا لما تحب ربنا وترضى.