خطبة الجمعة 30 محرم 1439: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: طين وروح وعقل

ـــــ لا ينظر الإسلام إلى الإنسان باعتباره قبضة من طين فحسب، بل قبضة من طين ونفخة من روح الله: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي).
ـــــ هذا التعبير لا يعني أنّ في الإنسان شيئاً من الألوهية، ولكن فيه شيء من نفحات الله وإبداعه، بالمستوى الذي أمر الله ملائكته بالسجود لآدم: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ، فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) [ص71-74].
ـــــ والعقل الإنساني المتميّز هو الإبداع الأبرز في خلقه، ومن هنا نفهم ما جاء في الخبر المروي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (لمّا خلق الله العقل قال له أقبل فأقبل، ثم قال له أدبر فأدبر، ثم قال: وعزّتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أحب إليّ منك. بك آخذ، وبك أعطي، وعليك أثيب).
ــــ فالملائكة تشترك مع الإنسان في أنها تمتلك عقلاً، إلا أن عقلها ليس خلّاقاً ولا مبدِعاً، فالملائكة لا تبني حضارة، ولا تُطوِّر أدوات، على عكس الإنسان الذي يمتلك عقلاً قادراً على تطويع وتطوير ما حوله لصالحه.
ــــ ولربما إلى هذا تشير الآيات التالية حيث استغربت الملائكة من خلافة الإنسان في الأرض، وتساءلت: ما الذي يميّز هذا المخلوق الطيني؟
ـــ (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) [البقرة:31-33].
ــــ ألم أقل لكم إنّ في هذا المخلوق الطيني سراً وراء ظاهره البسيط؟
ــــ لقد أعطيته عقلاً قادراً على أن يضع لما حوله أسماءً تتميّز بها عن بعضها البعض، وأن تكون هذه الأسماء ذات ارتباط بالموجودات الخارجية بنحو من الارتباط، من حيث الشكل أو الصفات الأخرى كاللون أو الطعم أو الحجم أو الصلابة .... إلخ.
ــــ وكانت هذه هي بداية ظهور خلّاقية العقل البشري، هذه الخلاقية التي مكّنته من صنع الحضارات على مدى التاريخ وغزو الفضاء واكتشاف المخلوقات التي لا تُرى بالعين المجرّدة وتحدّي الطبيعة...
ــــ ولذا كان من المنطقي أن يحوط الله هذا الخلق الإبداعي بتشريعٍ:
1ـ يحفظ له إمكانية قيامه بدوره الطبيعي.
2ـ ويَمنع الإنسان من التعدّي على هذا الدور.
3ـ ويمنعه مما يؤدّي إلى تعطيل عمله.
ـــــ هذا التشريع يتمثّل في تحريم تناول ما يُذهب العقل (المسكرات).
ـــ وإذا كان المصداق الأبرز لذلك هو الخمر في زمن نزول التشريع، فإنّ الدائرة في هذا الزمان أوسع من ذلك، إذ أصبحت تشمل أنواعاً من المواد المخدِّرة وعقاقير الهلوسة وغير ذلك.
ـــ ولنا وقفة مع هذه النقطة في الخطبة الثانية بإذن الله تعالى.