خطبة الجمعة للشيخ علي حسن غلوم حول حب الغير مع الله ج 2

خطبة الجمعة للشيخ علي حسن غلوم حول حب الغير مع الله ج 2


ألقيت الخطبة في السابع عشر من رجب 1430 هـ
هل القلب مملكة الله؟
يقول البعض: يفترض بالمؤمن أن لا يجعل في قلبه حباً إلا لله سبحانه، فالقلب عرش الله ومملكته، والقلب الذي يحب سوى الله فهو قلب خالٍ من حب الله.. هل هذه المقولة متوافقة مع الطرح القرآني؟ وهل هذا الطرح عملي وواقعي متوافق مع فطرة الإنسان؟
بالعودة إلى آيات القرآن لا نجد آية واحدة تأمر بأن يكون الحب لله وحده، وأن يُخرج الإنسان ـ من قلبه ـ حبَّ كل موجود سواه. بل من الآيات ما يدل على أن المؤمن يحب مثيله، قال تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ) (الحشر:9).. وتحدث القرآن عن حب النبي يعقوب لأبنائه (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (يوسف:8).. كما تحدث القرآن عن الحب العميق الذي يضفيه الله تعالى على الأزواج تكويناً وتفضّلاً (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) (الروم:21) و المودة عبارة عن الحب الظاهر أثرُه في مقام العمل.. بل وتحدث القرآن عن حب الممتلكات (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) (آل عمران:92).. وفي الخبر عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنه كان يتصدّق باللوز والسكَّر، فسئل عن ذلك فتلا قوله تعالى: (لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا ممّا تحبّون). وجاء على لسان النبي سليمان عليه السلام: (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) (صّ:32).. فما هو الحب المطلوب والمقبول وفق المنهج القرآني؟
معايير لحب غير الله:
أولاً: هناك نوعان من الحب، حب مطلق خالص غير متعلق بأي شرط، وهناك حب مشروط. فحب الزوجة لزوجها مثلاً مشروط بأن يُحسِن إليها ويعاشرها بالمعروف، ومتى ما اختل ذلك اختل الحب. وهكذا قِس باقي الأمثلة في العلاقات الإنسانية. أما حب العبد لربه فالمفترض أن يكون خالصاً غير مشروط، فسواء كان العبد منعّماً أو مبتلى، فالمفترض أن يبقى هذا الحب ويدوم. وفي رائعة الإمام زين العابدين عليه السلام (دعاء أبي حمزة الثمالي) ما يدل على ذلك: (إلهي لَوْ قَرَنْتَني بِالأصْفادِ، وَمَنَعْتَني سَيْبَكَ مِنْ بَيْنِ الأشْهادِ، وَدَلَلْتَ عَلى فَضايِحي عُيُونَ الْعِبادِ، وَأمَرْتَ بي اِلَى النّارِ، وَحُلْتَ بَيْني وَبَيْنَ الأبْرارِ، ما قَطَعْتُ رَجائي مِنْكَ وَما صَرَفْتُ تَأميلي لِلْعَفْوِ عَنْكَ، وَلا خَرَجَ حُبُّكَ مِنْ قَلْبي).
ثانياً: أن لا يُقدِّم حب أي موجود على الله سبحانه، (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة:24).
ثالثاً: أن لا يجعل حب أحد موازياً لحبه لله سبحانه (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ) (البقرة:165) والند هو المثيل.
رابعاً: أن لا يُحب مَن منع الله مِن حبه. (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) (المجادلة:22). معالجة النصوص:
ومن هنا يمكننا معالجة النصوص المانعة عن حب غير الله سبحانه، فما صح منها لا يعني عدم حب غير الله، بل تعني أن لا حب حقيقي غير مشروط إلا لله، وأن لا نقدم ولا نوازي حب أحد مع حب الله، وأن لا نحب مَن منع الله مِن حبه. كما أن بعض النصوص، ومنها النص السابق غير معتبر من ناحية السند، وهو ما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار في دراسة الموضوع.
وأما إذا طرحنا قضية حب الله بشكل خاطئ أو منقوص، فقد يؤدي ذلك إلى بعض النتائج السلبية، إذ سلك بعض المؤمنين طريق كراهية المجتمع والناس والابتعاد عنهم ـ حتى الزوجة والأولاد ـ أملاً في أن لا يُسكن قلبه حب سوى الله، مما أدى إلى تفكك الأسر وترتب المشاكل الكثيرة. وهكذا فعلت بعض الزوجات، مما أدى إلى الطلاق وغير ذلك، وهو ما ينبغي التنبّه إليه حين طرح مثل هذه الموضوعات ومعالجتها بحذر.