خطبة الجمعة 23 محرم 1439: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: الذِّكر عند الإمام زين العابدين


ـــ عن جابر بن يزيد الجعفي قال: قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام: (إن أبي عليَّ بن الحسين عليهما السلام ما ذَكر لله عزوجل، نعمةً عليه إلا سجد، ولا قرأ آية من كتاب الله عز جل فيها سجود إلا سجد، ولا دفع الله عزوجل عنه سوءً يخشاه، أو كيدَ كائدٍ إلا سجد، ولا فرَغ من صلاة مفروضة إلا سجد، ولا وُفِّق لإصلاحٍ بين اثنين إلا سجد، وكان أثرُ السجود في جميع مواضع سجوده، فسُمِّي السجاد لذلك).
ــــ لا يستطيع الباحث المتجرّد ـــ ولو لم يقل بإمامة الإمام علي بن الحسين زين العابدين(ع) بالمعنى الذي نتبنّاه ـــ أن يفسّر الثروة الإيمانية والروحية والأخلاقية المتوافرة في الصحيفة السجادية، وبشكل منقطع النظير، إلا من خلال أن يُدرك ويقرّ أنّ تلك المضامين كانت نابعة من القلب.
ـــ أدعياء التديّن كُثُر.. أصحاب الجباه السُّود كُثُر.. أهل المساجد كُثُر.. الذين يحملون المسابيح في أيديهم كُثُر.. الذين يُطيلون لحاهم كُثُر.. ولكن كم منهم صادق في إيمانه وتقواه؟ كم منهم يتطابق ذكره اللساني مع ذكره القلبي، ومع ما يدور في عقله، وما تفعله جوارحُه؟
ـــ نفس الإمام يحذّرنا من بعض هذه النماذج الخادعة حيث قال: (إذا رأيتم الرجل قد حَسُن سمتُه وهديُه، وتماوت في منطقِه، وتخاضع في حركاته، فرويداً لا يغرَّنَّكم، فما أكثر مَن يُعجِزُه تناولُ الدنيا، وركوبُ الحرام منها، لضَعفِ نيَّتِه ومهانته وجُبنِ قلبِه، فنَصب الدين فخّاً لها، فهو لا يزال يَختَلُ) أي يخدع (الناسَ بظاهره، فإنْ تمكّن مِن حرامٍ اقتحمه....) ويسترسل (ع) في التحذير من نماذج مشابهة لا يتطابق ظاهرُها مع باطنها.
ــــ (اللهم يَا مَنْ ذِكْرُهُ شَرَفٌ لِلذَّاكِرِينَ) وهذا من دعاء الإمام زين العابدين في خواتم الخير (وَيَا مَنْ شُكْرُهُ فَوْزٌ لِلشَّاكِرِينَ، وَيَا مَنْ طَاعَتُهُ نَجَاةٌ لِلْمُطِيعِينَ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاشْغَلْ قُلُوبَنَا بِذِكْرِكَ عَنْ كُلِّ ذِكْرٍ، وَأَلْسِنَتَنَا بِشُكْرِكَ عَنْ كُلِّ شُكْرٍ، وَجَوَارِحَنَا بِطَاعَتِكَ عَنْ كُلِّ طَاعَةٍ) هكذا كان الإمام زين العابدين (ع) وهكذا يجب أن يكون ذِكرنا لله: (وَاجْعَلْ خِتَامَ مَا تُحْصِي عَلَيْنَا كَتَبَةُ أَعْمَالِنَا تَوْبَةً مَقْبُولَةً لَا تُوقِفُنَا بَعْدَهَا عَلَى ذَنْبٍ اجْتَرَحْنَاهُ، وَلَا مَعْصِيَةٍ اقْتَرَفْنَاهَا. وَلَا تَكْشِفْ عَنَّا سِتْراً سَتَرْتَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ، يَوْمَ تَبْلُو أَخْبَارَ عِبَادِكَ. إِنَّكَ رَحِيمٌ بِمَنْ دَعَاكَ، وَمُسْتَجِيبٌ لِمَنْ نَادَاكَ). يا أرحم الراحمين.