خطبة الجمعة 24 ذوالحجة 1438: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: باعوا آخرتهم.. فخسروا


ــــ في الحكمة برقم 101 من نهج البلاغة قال (ع): (لاَ يَتْرُكُ النَّاسُ شَيْئاً مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ لاِسْتِصْلاَحِ دُنْيَاهُمْ إلاَّ فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِمْ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْهُ).
ــــ من المفترض بالإنسان أن يوازن ما بين سعيه للدنيا وسعيه للآخرة، وعلى الأقل أن يساوي بينهما.
ـــ كم يتوقع للإنسان أن يعيش في الدنيا؟ وليقارن ذلك بالحياة الأخروية.. كم ستدوم؟
ــــ من المنطقي أن يكون الإعداد والاهتمام بما يدوم أكثر إعداداً واهتماماً أكبر، أو على الأقل أن لا يقل بل يتساوى مع الإعداد لما يدوم أقل.. بل وأقل بكثير جداً.. بل لا يُقاس هذا بذاك!
ـــ فهل شأن المؤمنين بالآخرة في التعامل مع الحياتين وفق هذا المنطق؟ أعتقد أن أكثر المؤمنين غافلون عن هذه المعادلة المنطقية.
ـــ قال تعالى ناهياً عن الوقوع في شرَك فقدان التوازن بين الدنيا والآخرة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [المنافقون:9].
ـــ وأمير المؤمنين (ع) بيّن في الحكمة السابقة واحدة من النتائج الخطيرة المترتبة على ذلك: (لاَ
يَتْرُكُ النَّاسُ شَيْئاً مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ لاِسْتِصْلاَحِ دُنْيَاهُمْ إلاَّ فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِمْ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْهُ).
ـــ وترك شيء من الدين لأجل الدنيا يمكن تصوره على نحوين:
1ـ ترك الواجب وفعل الحرام تبعاً للشهوات.. ومن الواضح كيف يتم استدراج الإنسان في هذه الحالة، شيئاً فشيئاً، كمّاً وكيفاً، لما للشهوة من قوة جاذبية شديدة تُسوِّغ له الكبائر، وتزيِّن له القبائح، فتنفتح له أبواب المعاصي التي لم يكن يتجرأ على فعلها أو مجرد التفكير بها من قبل.
2ـ الاستغراق في الدنيا ومتطلباتها، على حساب الآخرة والإعداد لها.
ـــ وكلما تشاغل في جزئية، انفتح له بابٌ جديد يشغله عن آخرته، ويدفعه بعيداً عن التفكير والإعداد لها، ولربما كان هذا الشغل الدنيوي الجديد يتطلب جهداً أكبر ووقتاً أطول من سابقه، ليجد نفسه لاحقاً وقد نسي آخرته، وغفل عنها، ولربما لا تُسعفه الظروف للتعويض، فإذا به قد بنى بيتاً لحياة مؤقتة، بينما لم يُعِد شيئاً لحياة هي مصيره الأخير والأبدي.
ـــ وصدق الله سبحانه وتعالى إذ قال واصفاً أمثال هؤلاء: (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ).