خطبة الجمعة 19 ذوالقعدة 1438: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: محكمات أم متشابهات؟

ــــ (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) [آل عمران:7].
ـــ ما هي الآيات المتشابهات؟ وما عددها؟ ولماذا هناك آيات متشابهات؟
ــــ هناك اختلاف في تحديد ماهية المتشابهات، ويبدو أنها أكثر من نموذج، وسأتعرض لبعضها.
ــــ وهناك مبالغة في عدد الآيات المتشابهة، حتى قال بعضهم أن كل القرآن من المتشابه مع أن الآية بذاتها تؤكد وجود المحكم. وقال آخرون أن أكثر القرآن من المتشابه وهذا أيضاً غير صحيح.
ـــ والحقيقة أن أكثر آيات القرآن محكمة، وإلا لما كان كتاب هداية، ولكن يبقى السؤال مطروحاً: لماذا هناك متشابهات في القرآن؟ لماذا ليس كل القرآن من الآيات المحكمات؟
ــــ الإجابة على هذا التساؤل تستدعي في البداية أن نسلّط الضوء على بعض ما يمكن أن يكون من الآيات المتشابهات.
ــــ (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التوبة/5].
ــــ الآية لغوياً واضحة المعنى ـــ فهي كلام عربي متشكل من مفردات وقواعد تنتظم بها في تركيبة ذات دلالة ـــ فهي من المحكمات من هذه الجهة، ولكنها قد تصير من المتشابهات بلحاظ أنها تتضمن حكماً، وهو الأمر بقتل المشركين واعتقالهم ومحاصرتهم ووو...
ــــ فلو أخذنا به من دون قيد فستكون النتيجة أن تكليفنا قتل كل مشرك إن لم يُسلم.. يعني الآن لو رأينا هندوسياً في الخارج فيجب عليه أن يُسلم أو نقتله.. هل الأمر فعلاً هكذا؟
ـــ نعم، إن لم نراعِ القيود الموجودة في آيات أخرى من قبيل: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين)[الممتحنة:٨].
ــــ الآية الأولى في حد ذاتها ليست من المتشابهات، ولكنها كذلك بالنسبة إلى غير الراسخين في العلم.. ومثل هذه الآيات كانت أدوات الخوارج في جرائمهم، بما في ذلك قتل أمير المؤمنين(ع).
ـــ وهي أدوات التكفيريين اليوم أيضاً.. فهم يستشهدون بآيات قرآنية يجعلونها بمثابة مرجعيتهم في الأحكام التي يصدرونها، والجرائم التي يرتكبونها، متجاهلين آيات أخرى تخصص أو تقيد الحكم.
ـــ ولذا أخبرنا الله بأن مثل هذه الآيات تناسب النموذج الباحث عن الفتنة، أو بتعبير آخر الذين يصطادون في الماء العكر، لأنهم سيفشلون في تبرير أفعالهم الشنيعة إذا كانت الرؤية واضحة.
ــــ ووجود مثل هذا المتشابه في القرآن وفي أي نص دستوري أو قانوني أمر طبيعي تفرضه طبيعة اللغة وكثرة التفريعات والاحتمالات، ولذا نجد للدساتير مثلاً ملاحق ومواد فرعية ونصوصاً تفسيرية.
ــــ وهناك نماذج أخرى لما يمكن أن يصير من المتشابهات من آيات القرآن الكريم، وسأستعرض اثنتين منها في الخطبة الثانية بإذن الله تعالى.