خطبة الجمعة 12 ذوالقعدة 1438: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: ثغرة في الجدار


ــــ في كتاب عيون أخبار الرضا (ع) للصدوق بسند معتبر عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، وقد ذكره الشيخ الطوسي في أصحاب الكاظم(ع) قائلاً: (ثقة، جليل القدر. لقي الرضا (ع)، وكان عظيمَ المنزلة عندَه، وروى عنه كتاباً).
ـــ قال: (بعث الرضا (ع) إليّ بحمار فركِبتُه وأتيتُه وأقمتُ عنده بالليل إلى أن مضى منه ما شاء الله) ويبدو أنه زار الإمام وهو في بستان له خارج المدينة (فلما أراد أن ينهض قال: لا أراك أن تقدر على الرجوع إلى المدينة) فالوقت قد تأخر وقد يكون الوضع غير آمن للتنقّل (قلت: أجل جُعلت فداك. قال: فبِتْ عندنا الليلة واغدُ) أي واخرج صباحاً (على بركة الله عز وجل. قلت: أفعل جُعلت فداك. فقال: يا جارية، افرشي له فراشي، واطرحي عليه مِلحفتي التي أنام فيها، وضَعي تحت رأسه مِخادّي. قال: قلت في نفسي: مَن أصاب ما أصبت في ليلتي هذه؟! لقد جعل الله لي من المنزلة عنده وأعطاني مِن الفَخر ما لم يُعطِه أحداً من أصحابنا: بَعث إليّ بحماره فركبتُه، وفرَشَ لي فراشَه، وبِتُّ في مِلحفتِه، ووُضِعَت لي مِخادُّه. ما أصاب مثلَ هذا أحدٌ مِن أصحابنا. قال: وهو قاعد معي وأنا أحدِّث في نفسي.) ويبدو أن الإمام لاحظ على وجه البزنطي علامات العُجُب الذي دخل في نفسه فخاف أن يكون هذا سبباً لإفساد أخلاقه ونفسيته (فقال (ع): يا أحمد، إن أمير المؤمنين أتَى زيدَ بن صوحان في مرضه يعودُه) ولعل الصحيح أنه عاد أخاه صعصعة بن صوحان كما في أكثر من رواية ولعل الراوي أو الناسخ أخطأ في الاسم. وفي تلك الزيارة موعظة، علماً بأن الإخوة زيداً وصعصعة وسيحان كلهم من أنصار أمير المؤمنين (ع) وسأتحدث عنهم وعن عيادة الإمام له في مناسبة قادمة بإذن الله.
ــــ نعود إلى خبر البزنطي حيث قال له الإمام (ع) بعد ذلك: (فافتَخَر على الناس بذلك. فلا تذهبنَّ نفسُك إلى الفخر، وتذلَّل لله عز وجل. واعتمَدَ على يده فقام (ع)).
ــــ النفس البشرية حساسة جداً، وبعض الأمور التي قد تبدو بسيطة في الوهلة الأولى نجدها تؤثر بشكل كبير على النفس وتُخرجها عن حالة التوازن.
ـــ هذا التأثر قد لا يظهر بسرعة، ولكنه يفتح ثغرة في جدار التقوى والأخلاق، ليفتح المجال كي تتوسع شيئاً فشيئاً، ويظهر أثرُها التدميري في جهة محددة، أو في عدة جهات.
ــــ ولذا وردت عدة روايات مثلاً أن النبي (ص) لما سمِع مَن يمدح شخصاً آخر في وجهه قال: (أهلكتم ـــ أو قطعتم ـــ ظَهر الرجل) مع أنه موقف واحد، ولكن هذا الموقف الواحد قد يكون الثغرة التي تفتح أبواب جهنم! ولذا قال (ص): (إذا رأيتم المدّاحين فاحثوا في وجوههم التراب).
ــــ ومما ينبغي الحذر منه أن مثل هذا المديح قد يَلجأ إليه البعض من أجل فتح ثغرة للعبور إلى عقلك من أجل التأثير عليك، وإقناعك بأمر قد يكون باطلاً أو لتغيير مواقفك، تماماً كما حاول قوم شعيب أن يؤثروا عليه من هذه الناحية: (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) [هود:87].
ـــ وجود هذه السمة في النفس البشرية تستدعي من الإنسان أن يكون حذِراً حساساً حين يتعامل مع المؤثِّرات المختلفة، ولا يقول هذه بسيطة، وهذه مرة وتفوت، فلربما كان هذا الأمر البسيط أو كانت هذه المرة الأولى هي بداية التدمير لأخلاق الإنسان أو تقواه أو ورعه أو عفته.
ـــــ اللهم بصّرنا بأمور ديننا، ووفقنا لما تحب وترضى.