خطبة الجمعة 27 شوال 1438: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: لكل نعمة زكاة


ــ عن الإمام جعفر الصادق(ع) أنه قال: (المعروف زكاة النِّعَم، والشفاعة زكاة الجاه، والعِلل زكاة الأبدان، والعفو زكاةُ الظَّفر. وما أديت زكاتَه فهو مأمونُ السلب).
ـــ لكل نتيجة إيجابية وامتياز يناله الإنسان ـــ كفرد أو كمجموعة ــــ ما يُصطَلح عليه في هذا العصر بالضريبة.. كوّنت ثروة مثلاً.. إذاً هناك ضريبة تدفعها.. وهذه الضريبة تختلف باختلاف الحالات.
ــــ وقد استعمل الإمام الصادق (ع) للتعبير عن هذه الضريبة كلمة (زكاة)، وهي من حيث الدلالة أفضل من كلمة ضريبة، لأن الضريبة مشتقة من الضرب، وللضرب دلالة سلبية، بينما للزكاة دلالة إيجابية، حيث تتضمن معنى الطهارة والنمو معاً.
ـــ أي أن ما يقدّمه الإنسان صاحب الامتياز لا يقف عند حد العطاء، بل إن هذا العطاء سيتحوّل تلقائياً إلى نماء لصالحه، كما أنه طهارة وتزكية له في نفس الوقت. ومن هنا أيضاً قال الإمام (ع) في نهاية النص السابق: (وما أديت زكاتَه فهو مأمون السلب) أي لا تخف النقصان ولا الحرمان عند العطاء، فإن الله ضامن لك بقاء ذلك الامتياز.. وكأنها بوليصة تأمين مدى الحياة.
ـــ على سبيل المثال، فإن من يمتلك العلم ويزكّيه بتعليمه، فإن هذا التعليم في حد ذاته سيكون سبباً لزيادة المعرفة من خلال الأسئلة التي يطرحها المتعلمون، ومن خلال الآفاق التي يفتحها التعليم لتفريعات المعرفة وتفاصيلها المختلفة، ليتحول هذا التعليم إلى سبب لنماء العلم عند صاحبه، ولتزكيته من النقص والخطأ.
ـــ نعم من أساليب الشيطان أن يخوّف من العطاء، وأن يمنع الإنسان من أن يزكّي عناصر النعم والقوة لديه، من مال أو جاه أو علم أو غير ذلك، وأما الوعد الإلهي فعلى خلاف ذلك تماماً.
ـــ قال تعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) حين يفكّر الإنسان بالعطاء (وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء) حيث يشجّع على الإنفاق في المحرّمات ويجعله هيّناً في نظر الإنسان (وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة:268].
ـــ وقد قدّم الإمام (ع) نماذج مختلفة من زكاة عناصر الامتياز لدى الإنسان.
ـــ أغناك الله بالمال؟ إذاً اصنع المعروف بمساعدة المحتاجين.
ـــ أنعم الله عليك بالعلم؟ إذاً اصنع المعروف بتعليم الجاهل.
ـــ أنعم الله عليك بالحكمة؟ إذاً اصنع المعروف بتوجيه الناس إلى ما يُصلح حالَهم.
ـــ وهكذا، فإن على من يمتلك الجاه أن يزكّي جاهه بالتوسط لإنقاذ المظلومين واسترداد حقوق الناس وأمثال ذلك.
ـــ كما أن للصحة والعافية زكاة، بأن يصبر الإنسان ما إذا مرض.
ـــ وأخيراً فقد ذكر الإمام (ع) أن زكاة الظفر والغلبة هي العفو.. كما عفى النبي الأكرم (ص) عن مشركي قريش يوم الفتح وقال لهم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء).
ــــ ولابد أن أضيف هنا إلى أن ضريبة الانتصار ـــ عند تتبع الآيات القرآنية ـــ لا تقتصر على العفو فقط، بل تتعدى ذلك إلى عدة نقاط سأتناولها إجمالاً في الخطبة الثانية بإذن الله تعالى.