خطبة الجمعة 6 شوال 1438: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: نقطة الصفر العلمانية


ــــ ذكرت ذات جمعة، أن منظِّري العلمانية تحدثوا عن علمانيتين:
1. جزئية: وتعني فصل الدولة عن الدين.
2. شاملة: وتعني فصل القيم والأخلاق والدين عن حياة الإنسان، واعتبار المادة الأساس في كل شيء.. وهي قد تقود بالتالي إلى الإلحاد، والقول بأن لا شيء في الوجود سوى هذا العالم المادي، كما وأنه لا شيء بعد هذا العالم المادي.
ــــ أي أن المادة هي محور كل شيء.. هي المبدأ وهي المعاد.. هي المنطلق وهي الغاية.. وأما المنظومة الأخلاقية فتتلخص في أمرين: المنفعية واللذة.
ــــ وأضافوا أن الدعوة إلى العلمانية اليوم هي دعوة للعلمانية الشاملة، لأن فصل الدولة عن الدين قد تحقق فعلياً في كثير من الحكومات في العالم.
ـــ وما هذه الموجة من الإلحاد في العالم اليوم إلا حالة متناغمة وواحدة من إفرازات الدعوة والعمل على تعميم العلمنة الشاملة.
ــــ واعتبر دعاة العلمانية الشاملة أن دورة الإنسان في الحياة يجب أن تتلخص في ثلاثة أنشطة رئيسة لتخدم جانبين فيه، وهما الجانب الاقتصادي الخاص به، والجانب الجسماني. والأنشطة هي:
1. الإنتاج.
2. الاستهلاك... وكلاهما يختصران (الإنسان الاقتصادي) أو (البُعد الاقتصادي في نشاط الإنسان).
3. إشباع اللذة. (الإنسان الجسماني) أو (البُعد الغرائزي في نشاط الإنسان).
ــــ ولابد أن تصل البشرية في لحظة من التاريخ إلى الاقتصار على هذه الدورة فحسب.. دورة الإنسان المادة.. ويعبّر عن هذه اللحظة بـ (نقطة الصفر العلمانية).
ــــ وهناك نماذج فعلية معاصرة تمثّل بعضاً من هذه الصورة:
أـ اللحظة السنغافورية: اشتقاقاً من النموذج الاقتصادي السنغافوري، حيث يُنظَر إلى الإنسان كوحدة اقتصادية ـــ فقط ـــ أي وحدة مخصصة للإنتاج والاستهلاك.
ب ـ اللحظة التايلندية: اشتقاقاً من النموذج التايلندي الذي ينظر إلى الفحشاء والمخدرات كأهم مصدرين للدخل القومي. فالإنسان في هذا النموذج أداة للذة، ولا مانع من إشباع لذته بما يشاء.
ــــ وإذ تتناقض مصالح الأفراد والجماعات، فإن الصراع حتمي.. فما هو النموذج الأمثل للإنسان المادة في مثل هذه الصراعات؟ البقاء للأقوى والأصلح، ونموذجه:
ج ـ اللحظة النازية / الصهيونية: وهما وإن تناقضا وتصارعا، إلا أن كلاً منهما يمثّل نموذج الإنسان المادي. فالأقوى والأصلح هو الذي يستحق الحياة.
ــــ كانت النازية تتجه إلى التخلص من المعاقين وكبار السن والضعاف، وإلى تسخير مَن لا ينحدرون من الجنس الآري لصالح الآريين، باعتبار أنهم أكثر تفوقاً من غيرهم.
ــــ وعندما نتحدث هنا عن التسخير، فإن هذا قد يصل إلى حد تحويل دهن الإنسان إلى مادة لتصنيع الصابون، وعظامه إلى مادة لتصنيع السماد، وجسده إلى بديل عن فئران التجارب!
ـــ والصهيونية تمثّل تبلوراً آخر لهذا التصور للإنسان المادة، فقد نظرت الصهيونية إلى فلسطين باعتبارها أرضاً بلا شعب، على الرغم من وجود الشعب الفلسطيني عليها، إلا أنها اعتبرتهم مادة يمكن نقلها أو إبادتها أو استغلالها، ولا مكان لشيء اسمه رحمة أو قيمة أخلاقية أو تاريخ إنساني.
ــــ ومن نتائج هذا التصور:
1ـ كل هذه النماذج لا تعترف إلا بالمادة والإنسان بنظرها مجرد مادة ينتج ويستهلك ويشبع غريزته.
2ـ وفق هذه الرؤية فإن التكسب عن طريق الفاحشة مجرد نشاط اقتصادي شأنه شأن أي مورد آخر للتكسب كبيع السجّاد أو تأجير العقارات وأمثال ذلك.
3ـ الإنسان مادة استعمالية وطاقة محض، جسداً كان للفاحشة، أو عنصراً مسخَّراً للأقوى، أو حتى بتحويل غير النافع منه في صورته البشرية إلى مادة أخرى، كالصابون والسماد.
ـــ إن الإنسان المركبَ من مادةٍ، وروحٍ، وأخلاقٍ، وقيمٍ، وقداسةِ حياةٍ، وغايةٍ أخروية، يتحول في منظور العلمانية الشاملة إلى عنصر مادي بسيط يدخل في عالم صراع الأقوى والأصلح، فإما أن يوظِّف الآخرين ويستغلَّهم وفقَ منافعِه، أو يتم توظيفُه هو وفق منافعِهم. ومن هنا فإن الصهيونية ــــ التي تمثّل نموذجاً من نماذج النزعة المادية في النظرة إلى للإنسان ـــ كانت ولا زالت تتحدث عن الأرض التي جاء الصهاينة لزراعتها وتحويلها إلى وحدة إنتاجية واستهلاكية، لا عن فلسطين التاريخ والشعب والحضارة، وعلى هذا الأساس فسّرت واستباحت الصهيونية لنفسها أن تقوم بنقل اليهود من الشتات إلى هذه (الأرض)، وإخراج أهل فلسطين أو إبادتهم أو حصرهم في نطاقات ضيقة.. فالإنسان ـــ بحسبهم ـــ ليس سوى وحدةٍ مادية، والبقاءُ في هذه الحياة للأقوى والأصلح.. لا غير.