خطبة الشيخ علي حسن غلوم حول أدنى الشرك ج 1


ألقيت الخطبة في الثالث من رجب 1430 هـ
ـ عن الباقر عليه السلام: (أدنى الشرك أن يبتدع الرجل رأياً، فيحبُّ عليه ويُبغض عليه).
ـ استوقفتني هذه الرواية وصرت أفكّر في دلالتها، ماذا يريد الإمام الباقر عليه السلام أن يقول من خلالها؟
ـ من صور الشرك عدم الإخلاص في النية أو في العمل الذي يقدّمه الإنسان. فهناك إيمان كامل يتوجه من خلاله الإنسان إلى الله وحده، وهناك شرك كامل بأن يتعلق الإنسان تماماً بغير الله، ولا يجعل لله إليه سبيلاً، وهناك مراتب بينهما. فإذا كان الإنسان مؤمناً فقد يشوب إيمانَه شركٌ خفي، وهذا ما ذكره العلامة الطباطبائي في تفسيره للآية (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ) يوسف:106. قال رحمه الله: (و المراد بالشرك في الآية بعض مراتبه الذي يجامع بعض مراتب الإيمان و هو المسمى باصطلاح فن الأخلاق بالشرك الخفي).
ـ ثم جاء بعدة روايات منها ما روي عن الباقر عليه السلام في خصوص الآية: (قال شرك طاعة و ليس شرك عبادة، و المعاصي التي يرتكبون فهي شرك طاعة أطاعوا فيها الشيطان فأشركوا بالله الطاعة لغيره و ليس بإشراك عبادة أن يعبدوا غير الله). وبعبارة أخرى هناك شرك نابع عن إيمان بالشرك وعن علم وعمد، وهناك شرك عملي ناشئ عن معصية أو عن جهل.
ـ وعن مالك بن عطية عن أبي عبد الله عليه السلام في الآية قال: (هو الرجل يقول: لولا فلان لهلكت و لولا فلان لأصبت كذا و كذا و لضاع عيالي. ألا ترى أنه جعل لله شريكاً في ملكه يرزقه و يدفع عنه؟ قال: قلت: فيقول: لولا
أن منّ الله علي بفلان لهلكت؟ قال: نعم، لا بأس بهذا).
ـ وعن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) قال: (مِن ذلك قول الرجل: لا و حياتك). قال العلامة: (يعني القسم بغير الله لما فيه من تعظيمه بما لا يستحقه بذاته).
ـ فلنرجع إلى النص محل البحث، فالصورة التي قدّمها الإمام عليه السلام هي صورة الإنسان الذي يبتدع شيئاً ويجعل له خصوصية في التولي والتبري والحب والبغض على خلاف المعايير الإلهية، فهو في هذه الحالة لم يُخلص في مشاعره وفي مواقفه لله، ولم يقمها على الأسس الإلهية وعليه يكون نوعاً من الشرك، وهو شرك عملي وخفي.
ـ أمثلة: على المستوى السياسي والحركي قد يبتدع الإنسان كياناً سياسياً أو حركياً لتحقيق نتيجةٍ ما على الأرض، وقد يكون مخلصاً لله في تأسيسه وأهدافه، ولكنه بالتدريج ونتيجة المواجهات والصراعات يجعل الانتماء إليه وتأييده أو معارضته معياراً في توليه وتبرّيه، وفي حبه وبغضه.
ـ على المستوى الفكري الديني، قد يجتهد إنسان في بعض القضايا ويصل إلى استنتاجات، وهي ظنية محتملة الصحة، لا يقينية، ولكنه يتعصب لرأيه إلى درجة يجعل التفاعل الإيجابي معها أو السلبي معياراً في التولي والتبري.
ـ وعندنا أتعس من هذا كله، عندنا على مستوى التقليد تولّي وتبرّي، وعلى مستوى تشجيع الأندية، وعلى مستوى القومية والعرقية والوطنية وحتى المناطقية.