خطبة الجمعة 28 رمضان 1438: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: الباب لا يزال مفتوحاً


ــــ جاء في دعاء وداع شهر رمضان في الصحيفة السجادية: (أَنْتَ الَّذِيْ فَتَحْتَ لِعِبَادِكَ بَاباً إلَى عَفْوِكَ وَسَمَّيْتَهُ التَّوْبَـةَ، وَجَعَلْتَ عَلَى ذلِكَ البَابِ دَلِيلاً مِنْ وَحْيِكَ لِئَلاَّ يَضِلُّوا عَنْهُ فَقُلْتَ تَبَارَكَ اسْمُكَ: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ]).
ـــ يؤكد الإمام (ع) في هذا المقطع على الإقبال على التوبة النصوح، التوبة الصادقة التي يُصلح فيها الإنسان أخطاءه ويستقيم من خلالها في حياته، وأن الثمن الإلهي المقدم في مقابل هذه التوبة أن ينال الإنسان المغفرة والجنة والهداية والبصيرة.
ــــ وهل يملك الإنسان أي عذر يعتذر به لو أهمل التوبة وتغافل عنها، واستغرق في المعاصي، وسوّف إلى أن يفاجئه الموت، ويتمنى عندها العود إلى الدنيا، (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا) [المؤمنون:99-100]؟
ــــ كلا، لا أعذار.. لأن الحجة قد قامت، قال (ع): (فَمَا عُذْرُ مَنْ أَغْفَلَ دُخُولَ ذلِكَ الْمَنْزِلِ بَعْدَ فَتْحِ الْبَابِ وَإقَامَةِ الدَّلِيْلِ).
ــــ ثم ينبّه الإمام إلى عظيم العطاء الإلهي للتوابين، حيث أن عطاءه لا يتوقف عند حد مغفرة الذنوب وقبول التوبة فقط: (وَأَنْتَ الَّذِي زِدْتَ فِي السَّوْمِ) أي في الثمن والعطاء الذي تقدمه لعبادك مقابل توبتهم (عَلَى نَفْسِكَ لِعِبَادِكَ تُرِيدُ رِبْحَهُمْ فِي مُتَاجَرَتِهِمْ لَكَ، وَفَوْزَهُمْ بِالْوِفَادَةِ عَلَيْكَ وَالزِّيادَةِ مِنْكَ فَقُلْتَ تَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَيْتَ: [مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزى إلاّ مِثْلَهَا] وَقُلْتَ: [مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّة أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَة مَائَةُ حَبَّة وَالله يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ] وَقُلْتَ: [مَنْ ذَا الَّذِيْ يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَنَاً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أضْعَافاً كَثِيرَةً] وَمَا أَنْزَلْتَ مِنْ نَظَائِرِهِنَّ فِي الْقُرْآنِ مِنْ تَضَاعِيفِ الْحَسَنَاتِ).
ـــ فهل يبقى مع كل هذه الدلائل والتوضيحات القرآنية أي مجال للإنسان ليهمل التوبة؟
ــــ ثم يؤكد الإمام (ع) أهمية الدعاء وخطورة إهماله، لا في شهر رمضان فحسب، بل في كل حين.
ــــ (وَأَنْتَ الَّذِي دَلَلْتَهُمْ بِقَوْلِكَ مِنْ غَيْبِكَ، وَتَرْغِيْبِكَ الَّذِي فِيهِ حَظُّهُمْ، عَلَى مَا لَوْ سَتَرْتَهُ عَنْهُمْ لَمْ تُدْرِكْهُ أَبْصَارُهُمْ، وَلَمْ تَعِـهِ أَسْمَاعُهُمْ، وَلَمْ تَلْحَقْـهُ أَوْهَامُهُمْ، فَقُلْتَ: [اذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِيْ وَلا تَكْفُرُونِ] وَقُلْتَ: [لَئِنْ شَكَـرْتُمْ لأزِيدَنَّكمْ وَلَئِنْ كَفَـرْتُمْ إنَّ عَذابِيْ لَشَدِيدٌ] وَقُلْتَ: [ادْعُونِيْ أَسْتَجِبْ لَكُمْ إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ] فَسَمَّيْتَ دُعَاءَكَ عِبَادَةً، وَتَرْكَهُ اسْتِكْبَاراً، وَتَوَعَّدْتَ عَلَى تَرْكِهِ دُخُولَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ).
ـــ ومن هنا فإن مسؤولية الإنسان المؤمن تجاه فتح باب الدعاء كمسؤوليته تجاه فتح باب التوبة، أمران، الأول منهما: الإقبال والاهتمام، وإلا فإنه سيكون مسؤولاً عما ضيّع ولن يتجرع في نهاية المطاف إلا الندم الشديد: (فَذَكَرُوكَ بِمَنِّكَ وَشَكَرُوكَ بِفَضْلِكَ، وَدَعَوْكَ بِأَمْرِكَ، وَتَصَدَّقُوا لَكَ طَلَباً لِمَزِيدِكَ، وَفِيهَا كَانَتْ نَجَاتُهُمْ مِنْ غَضَبِكَ، وَفَوْزُهُمْ بِرِضَاكَ).
ـــ أما الأمر الثاني فأن يشكر الله على هذه الهداية، وعلى عظيم النعمة. أليس هكذا يشكر الناس بعضهم البعض إذا أحسنوا إليهم؟ فالله أولى بذلك.
ـــ (وَلَوْ دَلَّ مَخْلُوقٌ مَخْلُوقاً مِنْ نَفْسِهِ عَلَى مِثْلِ الَّذِيْ دَلَلْتَ عَلَيْهِ عِبَادَكَ مِنْكَ كَانَ مَوْصُوْفَاً بالإحْسَان وَمَنْعُوتاً بِالامْتِثَال ومحمُوداً بكلِّ لِسَان، فَلَكَ الْحَمْدُ مَا وُجِدَ فِي حَمْدِكَ مَذْهَبٌ، وَمَا بَقِيَ لِلْحَمْدِ لَفْظ تُحْمَدُ بِهِ وَمَعْنىً يَنْصَرفُ إلَيْهِ).
ــــ فلنتذكر ونحن نودع هذا الشهر العظيم أن إقبالَنا على الله وعلى التوبة وعلى الدعاء لا ينتهي بنهاية الشهر، بل نبقى دائماً في حالةٍ من الارتباط الروحي المتسامي معه جل وعلا، لننال منه الجزاء الأوفى إنه ذو منٍّ عظيم.