خطبة الجمعة 21 رمضان 1438: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: لماذا أدعو فلا يستجاب لي؟


ــــ تناولَت الرسالة السابقة أمير المؤمنين(ع) في جانب منها موضوع الدعاء وخصائصه.
ـــ وبدأ الإمام (ع) ــــ بعد ذلك العرض ــــ يعالج مشكلة فكرية ونفسية لها علاقة بما سبق حيث قال: (فَلاَ يُقَنِّطَنَّكَ إِبْطَاءُ إِجَابَتِهِ) تدعو فلا يُستجاب لك.. وتنتظر اليوم واليومين، ولربما السنة والسنتين، ولربما لأكثر من ذلك فلا تجد الإجابة.. فأين وعد الله حيث قال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)؟ [البقرة:186]. وقوله: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)؟
ــــ إذا كان هذا التساؤل فيما مضى عفوياً ولا يتعارض مع إيمان الإنسان، إلا أنه تحول اليوم إلى سلاح يستعمله الملحدون من أجل الطعن في إيمان الإنسان بوجود الخالق عزوجل، أو بقدرته، أو بمصداقيته!
ـــ وهذا يستدعي منا معالجة الموضوع، والإجابة عن الشبهة، وبأساليب وإجابات متنوعة، لنزيل بذلك أية عوالق في الذهن قد تؤثر على إيمان شبابنا وأبنائنا، أو تهزّ ثقتهم بالله، أو توجههم إلى إهمال العبادة أو التراخي فيها، ومن صورها الدعاء.
ـــ عموماً مرد الإشكال هو وجود خلل في فهمنا للعلاقة بين الدعاء وبين الاستجابة، وكأنها علاقة تلقائية وحتمية.. هذا سوء فهم للآية.
ـــ الإمام طرح عدة احتمالات لتأخر استجابة الدعاء أو عدم الاستجابة نهائياً، وهي كالتالي:
1ــ (فَإِنَّ الْعَطِيَّةَ عَلَى قَدْرِ النِّيَّةِ): يمكن أن نفهم هذا المقطع بعدة صور:
ــــ بأن يطلب الإنسان دون توجّه وخشوع وإقبال على الله، بل بقلب لاهٍ.
ـــ بأن يطلب وثقته بالله منعدمة أو ضعيفة، فهو يشك في أن الله يسمعه، أو يدعو الله وأمله في إنسان.. أو غير ذلك من صور الخلل في الثقة بالله، أي سوء الظن بالله.
ــــ ولربما يسأل الله السعة في المال مثلاً، ومن نيته أن ينفق هذه الأموال في الحرام، أو لتكون وسيلةً لإيذاء أحد، وأمثال ذلك.. فهل يريد أن يستجيب الله دعاءه في مثل هذه الحالة؟
2ـ (وَرُبَّمَا أُخِّرَتْ عَنْكَ الإجَابَةُ، لِيَكُونَ ذلِكَ أَعْظمَ لِأَجْرِ السَّائِلِ، وَأَجْزَلَ لِعَطَاءِ الآمِلِ).
ـــ بأن يكرر الدعاء والتعبد والتخشّع والاستغفار والتوبة أملاً في استجابة طلبه، فيزداد رصيده من الثواب، وتتناقص ذنوبه عن طريق ذلك، وإن كان المحرّك في الأساس هو تحقق طلبه الدنيوي المادي.. وهذا من رحمة الله بعباده، وسعة كرمه.
ـــ ونفس الصبر والتحمل واستمرار الثقة بالله سيكون سبباً لنيل المزيد من الثواب من عند الله، وللحصول على عطاءات الله المتميزة للصابرين في الآخرة.
3ـ (وَرُبَّمَا سَأَلْتَ الشَّيْءَ فَلاَ تُؤْتاهُ، وَأُوتِيتَ خَيْراً مِنْهُ عَاجلاً أَوْ آجِلاً).
ـــ بعض الناس يدعون ويتوسلون ويخشعون وينذرون من أجل الحصول على شيءٍ ما يتصورون أن فيه صلاح أمرهم.. الزواج من فلانة.. وظيفة في مكان معين.. ولد.. وغير ذلك..
ـــ وعندما لا يتحقق مرادُهم يغضبون.. يحزنون.. يتساءلون.. لماذا لم يستجب الله دعاءنا؟
ـــ يجيب الإمام: ليست المسألة عجزاً من الله.. أو إغلاقاً لباب الدعاء.. أو خُلفاً للوعد الإلهي.. حاشاه.. بل أنت أخطأت ـــ نتيجة جهلك بالمستقبل وبالحقائق ــــ في تحديد طلبك.
ــــ هذا الخيار سيكون مضراً بالنسبة إليك، والله تعالى برحمته حجبه عنك، وسيُبدلك منه خيراً.
ـــ سيعطيك ما هو خير مما سألت، مما يعلمه هو عزوجل بعلمه المحيط بكل شيء أنه سيكون فيه صلاحُك.. المطلوب منك أن تصبر، وتثق به، وستُسَر بما نلت.
4ـ (أوْ صُرِفَ عَنْكَ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ، فَلَرُبَّ أَمْرٍ قَدْ طَلَبْتَهُ فِيهِ هَلاَكُ دِينِكَ لَوْ أُوتِيتَهُ).
ـــ وأحياناً يكون الطلب بأكمله ليس في مصلحة الإنسان.. دنيوياً أو أخروياً أو لكليهما، ولذا لا يستجيب الله لطلبه نهائياً، رأفةً به وإشفاقاً عليه لجهله بحقيقة الأمور وعواقبها.
ــــ قال تعالى: (وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ، فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّوْا وَّهُم مُّعْرِضُونَ [التوبة:75-76].
ــــ طلَبَ المال وسعةَ الرزق، وعاهَدَ الله أن يوظّف المال في الاتجاه الصحيح، ولكن عندما استجيب دعاؤه نكث العهد.. والنتيجة: (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ) [التوبة:77]. أعوذ بالله.. أية سوء عاقبة هذه؟ وهل تود أن تكون هكذا؟
ــــ ولذا أضاف منبّهاً أن لا نجعل ما نهواه هو مورد دعائنا، بل ما حكّمنا فيه عقولَنا فوجدنا أن فيه صلاحنا فعلاً وفق حساباتنا والمعطيات الخارجية.. أننا لو حصلنا عليه زاننا ولم يكن مما يسيء إلى سمعتنا، أو يقلل من إيماننا، أو يجعلنا نخسر آخرتنا.
ـــ وكذلك أن لا نركّز في أدعيتنا على الأمور المادية الدنيوية.. بل أن تكون آخرتُنا التي هي حياتنا الحقيقية الباقية هي أكبر همِّنا في دعائنا.. فالماديات تفنى، ونحن سنغادر الدنيا في يومٍ ما.
ـــ وماذا سنحمل معنا حين نغادرها؟ لا شيء من المال والماديات.. بل الإيمان والعمل الصالح.
ــــ قال: (فَلْتَكُنْ مَسَأَلَتُكَ فِيَما يَبْقَى لَكَ جَمَالُهُ، وَيُنْفَى عَنْكَ وَبَالُهُ، فَالْمَالُ لاَ يَبْقَى لَكَ وَلاَ تَبْقَى لَهُ).
ــــ وأود أن أضيف عاملاً آخر من عوامل الاستجابة.. فأحياناً يكون ما نطلبه في الكثير من أدعيتنا أمراً فيه خرق للقواعد والقوانين الطبيعية.. وبعبارة أخرى البعض يطلب تحقق المعجزة، بينما عصر المعجزات قد انتهى.
ــــ رسول الله (ص) بكل عظمته يطلب المعاجز المادية أو ينقل لله طلبات المشركين للمعاجز فيقول الله تعالى: (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ) الإسراء:59. ويقول: (وقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) الأنعام:37.
ــــ مثال واحد، وعليه فقس: الشفاء من المرض. الدعاء وحده لا يكفي، بل عليك أن تحقق المقدمة، كأن تذهب إلى الطبيب المعالج.. هذه مسؤوليتك. قم بمسؤوليتك أولاً ثم ادعُ وانتظر النتيجة.
ـــ الملحدون يقولون: وما الحاجة للدعاء في هذه الحالة إذا كانت المسألة مرتبطة بمقدماتها المادية؟
ــــ نقول: الدعاء هنا لربما يوفقك للحصول على طبيب حذاق، أو التشخيص الصحيح من قبل الطبيب، أو العلاج المناسب في الصيدلية، أو غير ذلك من أسباب المعالجة.
ـــ كما أن المطلوب من الإنسان أن يكون دائم الارتباط بالله ويستمد القوة منه، وفي هذا بالإضافة إلى الأثر الدنيوي والأخروي، تأثير على صحته النفسية وقابليته للعلاج، وهذا أمر مثبت علمياً.
ـــ أيستحق الله عزوجل أن نواجِه معروفَه وكرمَه وإحسانَه وحبَّه لنا ورأفتَه بنا حين يؤخّرُ استجابة دعائنا، أو يَستبدلُ طلبَنا بما هو خير، أو يَمنعُ استجابتَه لما فيه من ضرر سيلحق بنا دون علمنا، هل يستحق أن نواجهه بالنكران، والتمرد، والضجر، وانعدام الثقة، وسوء الظن به، والابتعاد عنه، والتململ من الدعاء، وترك العبادة، بل قد يصل بالبعض إلى الإلحاد به وإنكار وجوده؟ أهكذا يكون جزاء الإحسان من العبد الذي لا يستحق على الله شيء؟ إن علينا ــ في كل حال ـــ أن نبقى عبادَه المخلِصين الذين يشعرون بذل العبودية له.. الذين تمتليء قلوبُهم بحسن الظن به.. الذين تُقبِل جوارحُهم على العمل بطاعته.. الذين يجعلون الآخرةَ نُصبَ أعينهم ومبلَغَ همِّهم، فإن هذه الدنيا إلى زوال.. وما عند الله باق.