خطبة الجمعة 21 رمضان 1438: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: الدعاء والكرم الإلهي

في الرسالة الحادية والثلاثين من نهج البلاغة وهي وصية من الإمام علي (ع) لابنه الحسن (ع): (وَاعْلَمْ، أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ خَزَائِنُ السَّموَاتِ وَالأرْضِ قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي الدُّعَاءِ، وَتَكفَّلَ لَكَ بِالإجَابَةِ) إشارة إلى قوله تعالى: [وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ] (أَمَرَكَ أَنْ تَسْأَلَهُ لِيُعْطِيَكَ، وَتَسْتَرْحِمَهُ لِيَرْحَمَكَ، وَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ مَنْ يَحْجُبُكَ عَنْهُ، وَلَمْ يُلْجِئْكَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكَ إِلَيْهِ) وبالتالي تدعوه بشكل مباشر بلا وسائط (وَلَمْ يَمْنَعْكَ إِنْ أَسَأْتَ مِنَ التَّوْبَةِ) فباب التوبة يبقى مفتوحاً للعبد، وعودتُه إلى المعصية لن تغلقه (وَلَمْ يُعَاجِلْكَ بَالنِّقْمَةِ) أي بالعقوبة على تلك المعاصي... بالإضافة إلى أنه حين تكشف له خطاياك وتستغفر وتعود إليه نادماً (وَلَمْ يُعَيِّرْكَ بِالإنَابَةِ) على خلاف الناس حين تتسامح منهم فإنهم يذكّرونك بما فعلت ولربما يهينونك بالكلمة والموقف ثم يسامحونك (وَلَمْ يَفْضَحْكَ حَيْثُ الْفَضِيحَةُ بِكَ أَوْلَى) أي هذا المذنب يستحق الفضيحة ولكن الله يستر عليه، فأي كرم هذا؟ بل إن كرمه لا يقف عند هذا الحد، يضيف الإمام (وَلَمْ يُشدِّدْ عَلَيْكَ فِي قَبُولِ الإنَابَةِ) بل جعلها فورية متى ما حققت الشروط بالندم والإصلاح الوعد بعدم العود وأمثال ذلك (وَلَمْ يُنَاقِشْكَ بِالْجَرِيمَةِ، وَلَمْ يُؤْيِسْكَ مِنَ الرَّحْمَةِ، بَلْ جَعَلَ نُزُوعَكَ عَنِ الذَّنْبِ حَسَنةً، وَحَسَبَ سَيِّئَتَكَ وَاحِدَةً، وَحَسَبَ حَسَنَتَكَ عَشْراً، وَفَتحَ لَكَ بَابَ الْمَتَابِ، فَإِذَا نَادَيْتَهُ) أي بصوت مرتفع (سَمِعَ نِدَاك، وَإِذَا نَاجَيْتَهُ) أي بخفاء (عَلِمَ نَجْوَاكَ) فالأمر بالنسبة إليه سيّان (فَأَفْضَيْتَ إِلَيْهِ بِحَاجَتِكَ، وَأَبْثَثْتَهُ ذاتَ نَفْسِكَ) أي تخبره بكل ما تود مما هو في قلبك، آلامك.. أمنياتك.. آمالك.. حاجاتك.. رغباتك (وَشَكَوْتَ إِلَيْهِ هُمُومَك، وَاسْتَكْشَفْتَهُ كُرُوبَكَ، وَاسْتَعَنْتَهُ عَلَى أُمُورِكَ، وَسَأَلْتَهُ مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِهِ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَى إِعْطَائِهِ غيْرُهُ، مِنْ زِيَادَةِ الأعْمَارِ) وهل يستطيع أحد أن يزيد في عمرك سواه؟ (وَصِحَّةِ الأبْدَانِ، وَسَعَةِ الأرْزَاقِ) وهل هناك أحد من الخلق يتحكم في هذا الأمر؟ أم هل تحتاج لكي تدعوه أن تطلب الإذن بالدعاء وتنتظر قليلاً أو كثيراً؟ أبداً.. ليس الأمر كما الحال مع الحكام مثلاً المحتجبين عن الشعب والذين تحتاج إلى موعد للقائهم والطلب منهم: (ثُمَّ جَعَلَ فِي يَدَيْكَ مَفاتِيحَ خَزَائِنِهِ بِمَا أَذِنَ لَكَ فِيهِ مِنْ مَسْأَلتِهِ، فَمَتَى شِئْتَ اسْتَفْتَحْتَ بِالدُّعَاءِ أَبْوَابَ نِعَمِهِ) الكرة في ملعبك.. المفاتيح بيدك.. القرار قرارك.. المهم أن تكون لك إرادة في الدعاء، وسيكون الأمر متاحاً في نفس اللحظة.. هل هناك شيء أروع من ذلك؟ (وَاسْتَمْطَرْتَ شآبِيبَ رَحْمَتِهِ) فرحمته لا تنزل بالقطّارة.. بل مثل المطر المنهمر. هكذا يكون عطاء الله.
ونحن في العشر الأواخر من شهر رمضان، وفي ترقّب ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.. والتي يُفرَق فيها كلُّ أمر حكيم.. نسأل الله التوفيق أن نكون ممن يُقبِلون على الدعاء كما يحب، وممن يُقبِلون على الدعاء بإخلاص، وممن يُقبِلون على الدعاء عن وعي وبصيرة وثقة بالله العظيم، وممن يُقبِلون على الدعاء بقلوب خاشعة، وبأيدي مرتفعة، وبعيون باكية.. ونسأله العفو والمغفرة والتوبة عمّا مضى منا، وأن يكتب لنا ولأهلنا ولأحبابنا وللمؤمنين والمؤمنات، الأحياء والأموات، عتقاً من النار، وجنةَ نعيم، ورضواناً من عندِه أكبر، إنه سميع مجيب.