خطبة الجمعة 14 رمضان 1438: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: أثر فعل الخير

ــــ جُبِلَ الناس على حب الخير، وعمَل الخير، وتقدير فاعل الخير والبر والإحسان.
ـــ ولذا فإنه على الرغم من كل الدعاية الإعلامية السلبية التي قام بها الأمويون لتشويه صورة الإمام الحسن (ع)، وقبل ذلك بحق علي (ع) وآل علي، إلا أن حب الحسن (ع) بقي حاضراً في النفوس، ومن أسباب ذلك: ما كان يقوم به الإمام من فعل الخير.
ـــ الآلة الإعلامية ذات الصبغة الدينية التي كان يوظفها الأمويون في مصالحهم دون تقوى لم تكن بسيطة.. أموال، وشخصيات، وأساليب، وامتداد.. ومع هذا كان الإمام المجتبى (ع) من خلال موقف واحد يحطّم تلك الماكنة التي لم تكن تهدأ.
ــــ في مناقب ابن شهراشوب: (ومن حِلمه (ع) ما روى المبرد) قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: [إمام النحو أبو العباس، محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدي، البصري، النحوي، الأخباري] أي من أهل الاختصاص في التاريخ (وابنُ عائشة) قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: [الإمام العلامة الثقة أبوعبدالرحمن، عبيد الله بن محمد القرشي التيمي البصري الأخباري الصادق، ويعرف بابن عائشة، وبالعيشي، لأنه من ولد عائشة بنت طلحة بن عبيدالله، ولد بعد الأربعين ومائة] (أن شامياً رآه راكباً، فجعل يلعنُه والحسنُ لا يرد) لاحظ شدة تأثير الآلة الإعلامية الأموية على الرغم من أن الحسن هو ابن بنت رسول الله الذي يذكرون اسمه قبل وفي كل صلاة، ويذكرون آله في تشهد كل صلاة (فلما فرغ أقبل الحسن (ع) فسلم عليه وضحك فقال: أيها الشيخ أظنك غريباً، ولعلك شبَّهت) أي اعتقدتني شخصاً آخر بينك وبينه عداوة أو خصومة أما أنا فلا أعرفك ولم يصدر عني سوء تجاهك (فلو استعتَبتَنا أعتبناك) أي لو كان هناك سبب للعتب لرفعناه وأرضيناك (ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حركت رحلك إلينا، وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعودَ عليك) أي أفضل بالنسبة إليك وأكثر فائدة (لأن لنا موضعاً رحباً، وجاهاً عريضاً، ومالاً كثيراً) صُدم هذا الشامي من معالي أخلاق الحسن(ع).. من هذه الأخلاق الملائكية الصادقة والنابعة من القلب، هذه الطهارة (فلما سمع الرجل كلامه، بكى ثم قال: أشهد أنك خليفة الله في أرضه. الله أعلم حيث يجعل رسالته، وكنتَ أنت وأبوك أبغضَ خلق الله إلي، والآن أنت أحبُّ خلق الله إلي. وحوَّل رحله إليه، وكان ضيفَه إلى أن ارتحل، وصار معتقداً لمحبتهم) هذا هو تأثير فعل الخير.
ـــ قال تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت:34-35].
ـــ فعلاً المسألة ليست سهلة.. أن يتجاوز الإنسان كرامتَه، وعزةَ نفسه، وما تحدّثه به نفسُه من الانتقام ورد الاعتبار وأمثال ذلك.. تجرُّع الغيظ ليس أمراً بسيطاً.. يحتاج إلى صبر وقوة، ولذا قال النبي (ص) كما روي عنه: (ليس الشديد بِالصُّرَعَةِ) أي المصارع الذي يغلب الناس بقوته (إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب). فكيف إذا كان الأمر يتجاوز كظم الغيظ إلى الإحسان؟
ــــ إذاً فعل الخير مؤثِّر وذِكره يبقى عبر الزمن.. وهذا ما أكد عليه أمير المؤمنين (ع) بحسب ما جاء في قسم الحكم من نهج البلاغة برقم 10 حيث قال: (خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً، إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ).
ــــ دولة الكويت في سياستها الخارجية ـــ وبشكل إجمالي ـــ انتهجت هذا المسلك، واستطاعت مؤخراً من خلال ذلك أن تحصل على العضوية المؤقتة في مجلس الأمن الدولي بحصولها على 188 صوتاً من أصل 192 صوتاً في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو كما لا يخفى رقم كبير.
ـــ صحيح أن قرارات الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن تبقى أسيرة لقرارات الأعضاء الكبار الدائمين من خلال حق النقض (الفيتو)، إلا أن وجود الكويت مع هذه الدول يعطيها الفرصة لطرح آرائها بخصوص القضايا الدولية ومعالجة الصراعات القائمة، بمدى أوسع وأشد تأثيراً.
ــــ هذا لم يأتِ من فراغ، بل نتيجة عمل في الاتجاه السليم من قبل السياسة الخارجية، وتجلى في:
1ـ المحافظة على التوازن والحياد ـــ بصورة إجمالية ـــ في السياسة الخارجية، حتى خلال فترة الحرب الباردة التي قسّمت الدول إلى معسكرين متنافسين بشدة، غربي وشرقي.. وهذا ليس بالأمر اليسير.. ففيه الكثير من المطبات.. في قمة ذلك الصراع كانت للكويت علاقات دبلوماسية كاملة مع تلك الأقطاب والقوى العظمى، بالإضافة إلى العلاقات التجارية والثقافية والتعليمية وغيرها.
2ـ مساعدة الدول الفقيرة والنامية ـــ وبصورة فريدة على الصعيد الدولي ــــ من خلال وزارة المالية مباشرة، أو الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية الذي أنشئ عام 1961، أو غير ذلك.
ـــ بحمدالله، عندما تحققت الوفرة المالية في الكويت مع ارتفاع أسعار النفط، لم توظِّف الفائض في خلق النزاعات الدولية، وتغذية أمراء الحروب، ومافيات الأسلحة.. بل في أعمال الخير.
ـــ قبل سنة تقريباً، أصدرت وزارة الخارجية الكويتية تقريرها الأول عن المساعدات الخارجية الإنمائية والإنسانية بقطاعيها الحكومي والأهلي، وجاء فيه أن ما قدمته وزارة المالية فقط للدول العربية وغيرها بين عامي 1990 حتى عام 2014 بلغ أكثر من 9 مليارات دينار كويتي.
ـــ وقدَّم الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية خلال نفس الفترة ما يقارب 2.7 مليار دينار ما بين منح وقروض ميسرة... هذه صور من أعمال الخير الرسمية بغض النظر عن الأهلية.
3ـــ الدور الإصلاحي الذي دأبت عليه الكويت لنزع فتيل الأزمات، وحل المشكلات، ورأب الصدع وتطبيع العلاقات بين الدول الشقيقة والصديقة والمتجاورة.
ــــ وهذه الأيام نشهد نموذجاً منها ضمن الخلافات القائمة بين بعض أعضاء مجلس التعاون الخليجي، حيث بادرت الكويت بسرعة ـــ من خلال الوسائل الدبلوماسية وعلى أعلى مستوى ـــ ساعيةً لإعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي، وفتح المجال لحل الخلافات بالحوار لا بالقوة.
ـــ إن السياسة الخارجية الإيجابية لدولة الكويت متمثلة في الحفاظ على التوازن في مواقفها الدولية، وفي المساعدات المالية التي تقدمها للدول الفقيرة والنامية، ومن خلال سعيها الدؤوب للإصلاح وحل النزاعات بين الدول، أكسبتها سمعة جيدة ومصداقية في القيم والمواقف، وأهّلتها لأن تحصل على هذا الرقم الكبير في التصويت لنيل عضوية مجلس الأمن. إلا أن لهذا النجاح ضريبتَه، إذ يُحمِّلُ الكويتَ مسؤوليةً أكبر للحفاظ على الإيجابيات السابقة من جهة، ولأن تكون على طول الخط مناصِرةً للحق وللمظلومين وللقضايا العادلة من جهة أخرى، لأنها وقفت عام 1990 أمام هذا الصرح وتطلّعت إلى نصرتِها من قِبَل المجتمع الدولي في مواجهة الغزو والعدوان الذي تعرضت له، ولاحتلال أراضيها، والاعتداء على شعبها، وتدمير مقدراتِها.. فكما أرادت في ذلك اليوم أن يُنتَصَرَ لقضيتها العادلة ولها كصاحبة حق.. فلتكن كذلك تجاه الآخرين.