خطبة الجمعة 7 رمضان 1438: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: كاشف التقوى

ــــ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) [الحج:1].
ـــ هل الأمر بالتقوى هنا أمر بكثرة الصلاة والصيام وتلاوة القرآن؟ فإذا وجد الإنسان نفسه قد أكثر منها فهو إنسان متقي بالضرورة؟
ـــ كثرة الصلاة والصيام وتلاوة القرآن من مقدمات تحقيق التقوى، وعلامة من علامات وجود مستوىً ما من التقوى، وليست هي ذات التقوى.. إذاً كيف يعرف الإنسان مدى تقواه؟
ـــ في الظروف الطبيعية وفي حالة الرخاء لا تتجلى مديات تقوى الإنسان ولا تنكشف الحقيقة له.
ـــ الإنسان الشبعان الذي يتوفر له ما لذ وطاب من الطعام الحلال، هل يمكنه أن يدرك أن لديه تقوى وعفة البطن؟ والإنسان الذي يتوفر لديه المال، هل يمكنه أن يدرك أن لديه تقوى وعفة اليد؟
ـــ إذا أردت أن تعرف أنك تتقي الله: قيّم أقوالك وأفعالك في المواقف العصيبة.. وهي كما قد تكون عصيبة أحياناً من الناحية المادية، فهي قد تكون عصيبة من الناحية الاجتماعية مثلاً، حيث يقع الإنسان في الإحراج من الآخرين.. أو تصعب عليه معارضة الأغلبية.. أو يكون محكوماً وملتزماً بالتعصب العائلي، أو القبلي، أو الحزبي، أو الوطني، أو غير ذلك.
ـــ هنا يكتشف الإنسان هل لديه تقوى أم لا. فإن لزم الحق ــ مع أي طرف كان ــ فهو صاحب تقوى.
ـــ مسلم سرق، وانبرى قومه للدفاع عنه وإلقاء التهمة على يهودي بريء.. اجتمعوا سراً واتفقوا على طريقة للتلاعب في الأدلة والمبررات لتبرئة صاحبهم: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا) [النساء:108].
ـــ وبعض الناس لديهم القدرة على التلاعب بالكلام وبالحقائق وعلى الإقناع بشكل كبير، بحيث تكون الصورة لديك واضحة من الناحية النظرية ومن حيث تحديد موقفك الذي يرضي الله، إلا أنهم بتلاعبهم بالكلام والحقائق يمكنهم أن يحرفوك عن الحق بمبررات وأعذار واهية.
ــــ لاحظ كيف أن البعض لديه مثل هذه القدرة حتى أنهم كادوا أن يخدعوا النبي بمكرهم: (وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ) [النساء:113].
ــــ هؤلاء الذين جلسوا وتآمروا ونسوا الرقابة الإلهية لا تقوى لهم.. والذي يخضع لهذا التلاعب لأنه الأوفق به اجتماعياً، لا تقوى له... هنا تظهر قيمة صلاتك وصيامك وتلاوتك للقرآن الكريم.
ــــ ولذا جاءت الآية قبل ذلك لتحدد موقف الإنسان المتقي بشكل لا لبس فيه: (وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا) [النساء:107]. فالدفاع عن المخطيء أو مرتكب الجريمة حرام.. وهو خيانة واشتراك في الجريمة والخطأ.. وعلامة على خلل في التقوى.
ــــ فلنجعل من شهر رمضان ببركاته الغيبية والعبادية والروحية منطلقاً نحو تحقيق المزيد من التقوى الحقيقية والصادقة والعميقة في نفوسنا وفي عقولنا وفي أقوالنا وفي أفعالنا، التقوى التي تجعلنا حيث يحب الله أن نكون، ومع مَن يريد الله لنا أن نكون، ليس فقط في الظروف العادية وفي الاسترخاء، بل وفي الظروف العصيبة وحيث تشتد الشدائد، وحينها يتجلى المعدن الحقيقي للإنسان، ويعرف أن صيامه حقق الغرض منه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).