خطبة الجمعة 23 شعبان 1438: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: أ هَواك معهم؟

ـــ في قسم الخطب من نهج البلاغة برقم (12): (ومن كلام له (ع) لمّا أظفره الله تعالى بأصحاب الجمل، وقد قال له بعض أصحابه: وددتُ أن أخي فلاناً معك شاهداً، ليرى ما نَصَرك الله به على أعدائك. فقال له (ع): أَهَوَى أَخِيكَ مَعَنَا؟ قال: نَعَم. قالَ: فَقَدْ شَهِدَنَا. وَلَقَدْ شَهِدَنَا في عَسْكَرِنَا هذَا أَقْوَامٌ في أَصْلاَبِ الرِّجَالِ، وَأَرْحَامِ النِّسَاءِ، سَيَرْعُفُ بِهِمُ الزَّمَانُ) الرعاف هو نزول الدم من الأنف، ويراد به أن الزمان سيجود بهم على غير انتظار (ويَقْوَى بِهِمُ الإيمَانُ).
ــــ يبدو من مجموع بعض الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة أن للنية والرغبة الصادقة وحتى للموافقة والمخالفة القلبية ــــ وفي بعض الروايات يستخدم تعبير: الرضى والسُّخط ـــ دوراً في تقييم الإنسان سلباً أو إيجاباً في الآخرة، أو حصوله على بعض الامتيازات الأخروية... حتى لو حالت الظروف الزمانية أو المكانية أو الصحية أو غير ذلك من أن يقوم الإنسان أو يشارك في الأمر.
ـــ في الجانب السلبي نقرأ مثلاً عاقبة قوم ثمود حيث قال تعالى: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا، إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا) شخص واحد سينفِّذ الجريمة، وفي سورة القمر بيان أوضح لذلك حيث قال تعالى في الآية 29 منها: (فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ).. ثم قال (ع): (فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا، فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا) نلاحظ هنا كيف أن الله تعالى نسب الفعل إلى المجموع، ولذا كانت العقوبة للجميع (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا، وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا). [الشمس:11-15]
ـــ ولماذا نُسب الفعل للجميع؟ وضّح أمير المؤمنين (ع) في الخطبة 201 من نهج البلاغة ذلك ببيان قاعدة حيث قال: (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا يَجْمَعُ النَّاسَ الرِّضَى وَالسُّخْطُ. وَإِنَّمَا عَقَرَ نَاقَةَ ثَمُودَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَعَمَّهُمُ اللّهُ بِالْعَذَابِ لَمَّا عَمُّوهُ بِالرِّضَى، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ)).
ــــ ولذا فإن مسألة الموافقة والمعارضة، والرضى والسخط، مسألة حساسة ولها أثرها في حساب الإنسان، حتى أننا نجد في وسائل الشيعة عن الرضا (ع): (لَوْ أنَّ رَجُلا قُتِلَ بِالْمَشْرِقِ فَرَضِيَ بِقَتْلِهِ رَجُلٌ بِالْمَغْرِبِ، لَكانَ الرّاضِي عِنْدَ اللهِ عَزَّوجَلَّ شَريكَ الْقاتِلِ).
ــــ ومن هنا نجد في زيارة وارث: (وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً سَمِعَتْ بِذلِكَ فَرَضِيَتْ بِهِ) يا رب إننا نبرأ إليك من هؤلاء القوم ومن مشاعرهم، وإن لم يشاركوا في قتل الحسين وأنصاره، وفي ارتكاب الجريمة التي
وقعت بحق أهل بيته في ذلك اليوم، وإن فصل بينهم زمن طويل يمتد لقرون.
ــــ وفي الجانب الإيجابي نصوص عديدة من بينها ما روي عن النبي(ص) أنه قال: (يَا بنَ مَسعودٍ، أحِبَّ الصّالِحينَ؛ فَإِنَّ المَرءَ مَعَ مَن أحَبَّ، فَإِن لَم تَقدِر عَلى أعمالِ البِرِّ فَأحِبَّ العُلَماءَ، فَإِنَّهُ يَقولُ: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا)). والآية التي تليها: (ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا). أي أن هذا من فضل الله ونعمِه وزيادةَ عطاءٍ منه سبحانه، مع ملاحظة عنوان الطاعة في الآية.
ـــ وفي دعائم الإسلام عن الباقر(ع): (أنَّ قَوماً أتَوهُ مِن خُراسانَ، فَنَظَرَ إلى رَجُلٍ مِنهُم قَد تَشَقَّقَت رِجلاهُ، فَقالَ لَهُ: ما هذا؟ فَقالَ: بُعدُ المَسافَةِ يَابنَ رَسولِ اللهِ، ووَاللهِ ما جاءَ بي مِن حَيثُ جِئتُ إلّا مَحَبَّتُكُم أهلَ البَيتِ. قالَ لَهُ أبو جَعفَرٍ(ع): أبشِر، فَأَنتَ وَاللهِ مَعَنا تُحشَرُ. قالَ: مَعَكُم يَابنَ رَسولِ اللهِ؟ قالَ: نَعَم، ما أحَبَّنا عَبدٌ إلّا حَشَرَهُ اللهُ مَعَنا، وهَلِ الدّينُ إلَّا الحُبُّ، قالَ اللهُ عَزَّوجَلَّ: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ).
ـــ فالحب يراد له أن يكون المحرِّك والمنطلَق للعمل والاقتداء والاتباع، ومن هنا قال علي (ع) في نهاية الكلمة التي بدأتُ بها حديثي وهو يصف من سيجود بهم الزمان: (ويَقْوَى بِهِمُ الإيمَانُ).
ـــ فليحذر الذين يُبدون رضاهم، أو يُعبِّرون عن سعادتِهم، بأعمال الظالمين والمجرمين والمستكبرين، فإنَّ عدم مشاركتِهم في جرائمهم وأعمالهم الطاغوتية لا تعني أنهم غير مشمولين بغضب الله وعقابه وحسابه الأخروي.. وليستبشر الذين يعيشون الأمنيات الحقيقية والرغبات الصادقة في نصرة الحق، بحيث لو لم يحجبهم الزمان أو المكان، أو لم تمنعهم الظروف لكانوا حقاً وصِدقاً من أنصاره.. فإنَّ مَن أحبَّ عملَ قومٍ حُشر معهم، وذلك الفضل من الله سبحانه، على أن يكون حبُّنا للصالحين وأعمالِهم الدافعَ لنا للعمل الصالح الذي يقوَى به الإيمان.