خطبة الجمعة 9 شعبان 1438: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: لماذا الخوف؟

ــــ الخوف أمر فطري غريزي في الإنسان، ومقدِّمة لحماية نفسه، والحفاظ عليها، والدفاع عنها، أو عن شيء ثمين، أو عمّن يَعنيه أمرُه.
ـــ ولم يستثنِ الله عزوجل الأنبياء (ع) من هذا الأمر، فبعد أن قتل موسى (ع) رجلاً من أعوان الظلمة وصف الله حالتَه قائلاً: (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ) [القصص:18].
ـــ ولما حذّره ذلك الرجل المؤمن من البقاء في المدينة وصف الله تعالى حالتَه قائلاً: (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [القصص:21].
ـــ وهكذا عبّر موسى (ع) عن خوفه من القتل على يد فرعون وأعوانِه حين أمره الله تعالى أن يذهب إليهم ليدعوَهم إلى دينه: (قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ) [القصص:33].
ــــ بل إن الله شرّع الصلاة بطريقة خاصة عندما ينتاب الإنسانُ الخوفَ في ساحة القتال، قال تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا) [النساء:101].
ـــ ثم جاءت الآية اللاحقة وبيّنت كيف تُقام هذه الصلاة مع حمل السلاح وغير ذلك من التفاصيل.
ـــ وفي القرآن حديث عن الخوف تارة، وعن الخشية تارة أخرى، وقيل أن الفرق بينهما أن الخوف يكون من الفعل، كالخوف من القتل، أما الخشية فمن الفاعل، كأن تخشى فلاناً من الناس.
ـــ في الآيات السابقة ارتبط الأمر بالقتل، ولذا استُعملت كلمة الخوف، أما حين كان الأمر مرتبطاً بالفاعل فقد استُعملت كلمة الخشية.
ــــ قال تعالى في وصف جماعةً من المسلمين: (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) [النساء:77].
ــ ولو صح هذا التفسير فلابد من تأويل المورد التالي ـــ ولعله الوحيد ـــ المتعارض مع ما قلناه، وهو قوله تعالى: (يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [النحل:50] فالخوف ليس من الله وهو الرحمن الرحيم، بل الخوف من العقوبة التي ينالها الإنسان نتيجة عصيانه وجرائمه.
ــــ والخوف يمكن أن يكون أمراً سلبياً وذلك في حالات، من أهمها:
1ـ أن يتحول الخوف إلى جُبن، فالجُبن في المعنى اللغوي: (تَهَيُّبُ الإِقْدَام على كل شيء، أو على ما لا يستحق). وهذا مذموم.
ـــ موسى (ع) لم يكن جباناً، والدليل على ذلك في نفس الآيات، حيث ذكَرَت كيف أنه تقدَّم للدفاع عن المظلوم في الاعتداء الثاني بكل شجاعة وإقدام، وهذا ليس من فعل الإنسان الجبان.
2ـ أن يكون الخوف مرتبطاً بالخجل الشديد، والذي يمثّل حالةً سلبية تدفع الإنسان إلى تجنّب التفاعل الاجتماعي السليم في المواقف المختلفة.
3ـ أن يكون الخوف مما هو إيجابي، أو من شيء وهمي.. فالطفل قد يُخوَّف من الطبيب كأسلوب تربوي خاطيء، ليبقى هذا الخوف في نفسه وإن كبُر.. هذا خوف سلبي.
ـــ وشبيه بذلك ما تقوم به الكثير من وسائل الإعلام العالمية في هذا العصر بالتخويف من الإسلام والمسلمين، حتى صارت بعض المظاهر الإسلامية المتعلقة بالحرية الشخصية على الأقل ـــ كما هو حال اللباس الشرعي للمرأة ـــ مصدراً للخوف والقلق.
ــــ ومن جميل ما اطلعتُ عليه قبل يومين، دعوةُ الرئيس النمساوي الجديد كلَّ النساء في بلده لارتداء الحجاب تضامناً مع المرأة المسلمة في بلده ولمواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا.
ــــ وقد أطلق هذا التصريح ضمن حلقة نقاشية جرَت في مقرّ المفوضيّة الأوروبيّة في فيينا وتمحورت حول الإسلام في النّمسا.. هذا نموذج، وما يمارسه الرئيس الأمريكي أحياناً نموذج آخر على النقيض من ذلك، علماً بأنهما استلما الحكم في وقت متقارب.
ــــ إننا ـــ ومن موقع الإحساس بالمسؤولية ـــ نشيد بدعوة الرئيس النمساوي النساءَ في بلده لارتداء الحجابِ في خطوةٍ حكيمةٍ لمواجهةِ تصاعدِ مظاهرِ العَداء للمسلمين في أوروبا، وندعو المسؤولين في الغرب، ووسائل الإعلام المختلفة إلى أن يحذوا حَذوه بدلاً من أن يساهموا في زرع الخوف من المسلمين.. كما وندعو المسلمين إلى التزام الحكمة في تصرفاتهم، وأن يكونوا خيرَ سفراء للإسلام، وأن يكشفوا للعالم بأن الإرهابيين لا يمثّلون قِيَم الدينِ وتشريعاتِه، وأن النبي (ص) قد تبرأ من أفعالهم منذ أكثر من 1400 عام، كما نتبرأ نحن منها اليوم وعلى طول الخط.